التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون 43 وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين 44 ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين 45 وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون 46}

صفحة 5504 - الجزء 8

  وقيل: خلقنا خلقًا كثيرا، وقلنا لهم صفتك ونعتك، وأمرنا الأول بالإبلاغ إلى الثاني، فامتد بهم الزمان، فنسوا عهد الله فيهم، فلم يصدق الآخر الأول في نعتك وصفتك، وقيل: أنشأنا قرونًا، فطال عليهم الأمد، ولولا إرسالك لدخل الوهن في أخبارهم، فأرسلناك محافظة على تلك الأخبار معجزة لك، [ولتصبر] على الإيذاء كما صبر أولئك «وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا» مقيمًا «فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» إياك، يعني: أرسلناك رسُولًا، وقيل: ما كنت مقيمًا في أهل مدين تشاهد تلك الأحوال، ثم أخبرتهم بغوامض تلك الأخبار، فلولا الوحي لما علمت ذلك، ولذلك عقبه بقوله: «وَلَكِنَّا كُنَّا مُرسلينَ» فعرفت من أمر شعيب ما عرفت من أمر موسى، يعني أخبرناك معجزة لك؛ لأنا أرسلناك «وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا» أي: ما حضرت الطور حين كلمه موسى # بحضرة السبعين، عن أكثر المفسرين. وقيل: أراد موسى أن يرى محمدًا فقيل له: لن تصل إليه، ولكن إن شئت ناديتهم وأسمعتك أصواتهم، فقال: بلى، فقال الله تعالى: يا أمة محمد، فأجابوه من أصلاب آبائهم، عن وهب. وقيل: قال: يا أمة محمد قد أَجَبْتُكُمْ قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، عن ابن عمر، وابن جريج. وليس بشيء، والأوجه الأول، وعليه أكثر العلماء، وقيل: نادينا بأن أفلح أمة محمد، وهذا خلاف الظاهر، والصحيح: نادينا موسى أني أنا الله، يا موسى أقبل واذهب إلى فرعون، «وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» يعني: نعمة أنعمنا عليك بأن بعثناك نبيًا، وأخبرناك بهذه الأخبار معجزة لك «لِتُنذِرَ قَوْمًا» أي: تخوفهم وتعلمهم بمواضع الخوف «مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ» من رسول «مِنْ قَبْلِكَ» قيل: أهل مكة، وقيل: القرن الذي بعث فيه «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» أي: لكي يتفكروا.

  · الأحكام: تدل الآيات على معجزة لنبينا ÷؛ إذ لم يقرأ كتابًا، ولا حضر تلك المواضع، ثم أخبرهم عن تفصيلها، وإنما خص تلك المواضع؛ لأن أكثر أمور موسى كان ثَمَّ.