التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون 51 الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون 52 وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين 53 أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون 54 وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين 55}

صفحة 5511 - الجزء 8

  وقيل: الإيمان قبل البعث وبعده، وقيل: الإيمان والصبر «بِمَا صَبَرُوا» على دينهم وأذى الكفار وتحمل المشاق «وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» قيل: بالخير من الكلام يدفعون قبيح ما يسمعون من الكفار، وذلك نحو أن يؤذوهم بقبيح القول فيعظونهم ويدعونهم إلى الدين، وقيل: يدفعون العذاب بمجانبة المعاصي وفعل الطاعات أو التوبة «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» أي: مما أعطيناهم من النعم ينفقونها في سبيل الخير والطاعة «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ» من المبطلين مما يؤذونهم، قيل: هو القبيح من القول والهزل الذي لا فائدة فيه، عن أبي علي. وقيل: هو اللغو في القرآن وهو قولهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}⁣[فصلت: ٢٦] يعني إذا سمعوا اللغو في القرآن «أَعْرَضُوا عَنْهُ» لإيمانهم بالقرآن، عن أبي مسلم. وإعراضهم عنه ألَّا يجيبوا بنحو من ذلك؛ بل يعدلون إلى العظة والقول الحسن «وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ» أي: كل واحد يجازى بعمله «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» قيل: قالوا قولاً لطيفًا حسنًا فَيَسْلَمُونَ من شرهم، عن أبي علي. وقيل: معناه: ليس بيننا كلام لا غرض معكم، ولا نريد صحبتكم، وليس هو سلام تحية، وإنما هو سلام متاركة، وقيل: إنما قالوه مطلقًا، وطلب السلامة من شرهم، وقيل: السلام هو الله، أي: الله شاهد عليكم بما تقولون فيجازيكم «لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ» قيل: لا نريد دين الجاهلين، عن الكلبي. وقيل: لا نريد أن نكون جهالاً، وقيل: مُحَاوَرَة الجاهلين.

  · الأحكام: يدل قوله: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا} أنَّه أنزل القرآن كالمتصل بعضه في إثر بعض، فيدل على حدثه من حيث أنزله من حيث تقدم بعضه على بعض.

  ويدل بأنه أنزله ليتفكروا فيه؛ لذلك قال: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فيدل على بطلان قول الْمُجْبِرَة: إنه أراد بإنزاله من بعضهم أن يتفكروا ومن بعضهم ألَّا يتفكروا ويعرضوا.

  ويدل على بطلان قولهم في المخلوق؛ لأن التذكر عندهم موقوف على خلقه فيه لا على وصل القول.