التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين 56 وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون 57 وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين 58 وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون 59 وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون 60}

صفحة 5515 - الجزء 8

  قال للنبي ÷: إنا لنعلم أن ما جئت به حق؛ ولكنا نخاف أن نتبعك أن تخطفنا العرب؛ لاجتماعهم على اختلافنا فلا طاقة لنا بهم، فنزلت هذه الآية.

  · المعنى: ولما تقدم ذكر الرسول والقرآن وأنه أنزله للهداية ولها بعثه، بَيَّنَ أن الاهتداء ليس عليه إنما عليه البلاغ، ثم بيّن ما قاله الكفار وما أجيبوا به، فقال سبحانه: «إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» قيل: لا تقدر على أن تجبرهم على الهداية، وقيل: ليس عليك اهتداؤهم وقبول الحق، وقيل: المراد بالهدى الألطاف، أي: لا تقدر على اللطف الذي عنده يهتدي من تحب، وقيل: المراد بالهدى الهدى إلى طريق الجنة، أي: ليس إدخال الجنة والإثابة إليك «مَنْ أَحْبَبْتَ» قيل: من أحببت هدايته، وقيل: لمن أحببته لقرابته «وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي» قيل: يلطف، قيل: إلى الجنة والثواب، وقيل: يدل «مَنْ يَشَاءُ» وهو من يكلف، ولا يدل من لا يكلفه «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» قيل: أعلم بمن يثيبه أو يلطف له، أي: أعلم بمن يهتدي باللطف فيلطف له، وقيل: أعلم بمن يستحق الثواب فيثيبه، وقيل: أعلم بالمهتدين في المستقبل؛ لأنه المختص بعلم الغيب «وَقَالُوا» يعني الكفار: «إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا» أي: نسلب «مِنْ أَرْضِنَا» يعني: أرض مكة والحرم «أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا» يأمن من دخله، قيل: لوجهين:

  أحدهما: بلطفه وما جعل في النفوس من السكون إليه والحرمة له وتعظيمه، وترك القتل فيه حتى كانت العرب تقول: أهل مكة أهل الله، ومع ما كان منهم من القتال والغزوات وأهل مكة آمنون، وكذلك يأمن صيدُهم وطيرهم.

  وثانيهما: بما حكم على العباد وتعبدهم به من الأمر بأمان أهل الحرم.

  «يُجْبَى إِلَيهِ» أي: يجمع من كل جهة «ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا» أي: عطاء من عندنا جاريا عليهم «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» يعني مع أنهم لا يعلمون الله ولا