قوله تعالى: {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين 61 ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون 62 قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون 63 وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون 64 ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين 65 فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون 66}
  يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ» الَّذِينَ بعثتهم إليكم، قيل: هذا أعظم النداء؛ لأنه نداء يجمع العلم والعمل؛ لأن الرسل يدعون إلى العمل كما يدعون إلى العلم، كأنه قيل: ماذا علمتم وماذا عملتم، وهو نداء للجميع «فَعَمِيَتْ» أي: خفيت واشتبهت بمعنى انسدت عليهم طرق الجواب، فصاروا كالعُمْيِ تنسد عليهم الطرق «عَلَيْهِمُ» أي: على هَؤُلَاءِ الكفار «الْأَنْبَاءُ» الأخبار، قيل: الأعذار والحجج «يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ» قيل: لا يجيبون، وقيل: لا يحتجون، عن قتادة. وقيل: سكوت لا يسأل بعضهم بعضًا، وقيل: لا يتساءلون بالأنساب والقرابة، كما في الدنيا، عن مجاهد. وقيل: لانسداد طرق الحجة والأخبار لم يجيبوا، ولا سألوا عنه. وقيل: لا يسأل بعضهم بعضًا النصرة للإياس، وانسداد طرق الخلاص. وقيل: لا يسأل بعضهم بعضًا عن حاله لشغله بنفسه، عن أبي علي. وقيل: لا يسأل بعضهم بعضًا أن يحمل ذنوبه عنه، عن الحسن.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه لا يستوي حال من أطاع ربه، ومن انهمك في المعصية، واختار الشهوات، واغتر بالدنيا، فيبطل قول المرجئة.
  وتدل على أنه لا ينبغي أن يغتر بالرؤساء والسادة؛ لأنهم لا يغنون عنهم شيئًا عند حاجتهم.
  وتدل الآية على بطلان مذهب الجبر في المخلوق والاستطاعة من وجوه:
  أحدها: ما جرى بين الفريقين من تَوْرِيكِ الذنب، ولو كان الله تعالى خالق الضلال في الفريقين، والقدرة الموجبة للإضلال لم يكن لذلك معنى، ولكان الأولى أن يقولوا: أنت خلقت فينا الضلال، ومنعتنا عن الإيمان، فأي ذنب للأتباع والمتبوعين؟
  وثانيها: تمنيهم الهداية، ولو كان خلقًا له لما صح ذلك.
  وثالثها: أنه أضاف جميع ذلك إليهم، وعلق به المدح والذم والثواب والعقاب.
  ورابعها: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} فكأنه: يقول ما خَلَقْتُ.
  وخامسها: قوله: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} ولو كان خلقًا له لوجدوا واضح العذر،