قوله تعالى: {أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين 61 ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون 62 قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون 63 وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون 64 ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين 65 فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون 66}
  وقيل: رؤساؤهم وأئمتهم، عن الكلبي وغيره. «رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ» اعترفوا بذنوبهم، وقالوا: هَؤُلَاءِ المتبوعين أضللناهم عن الحق بدعائنا إياهم إلى الضلال أغوينا وكان يمكنهم ألَّا يتبعونا ويتبعوا الحق «كَمَا غَوَيْنَا» كما ضللنا نحن باتباع الرؤساء والشياطين، وأمكننا ألَّا نتبعهم فلسنا نُوَرِّكُ بالذنب عليهم فلا تُوَرِّكوا أنتم بالذنب علينا «تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ» يعني: تبرأنا من إغوائهم وغوايتهم، قيل: هذا على وجه الرجوع والتوبة، وإن كانت لا تنفع، وقيل: تبرأنا إليك منهم ومن براءتهم.
  ومتى قيل: ما فائدة هذا الاعتراف والمجادلة؟
  قلنا: أما الأولون فيجوز أن يُوَرِّكوا الذنب على سادتهم ليتبرؤوا من الذنب أو ليزيدهم الله عذابًا، فيجيبهم الآخرون بأنا لم نكرههم على الإغواء، ولكن قبلوا، وكان يمكنهم ألَّا يقبلوا، فالذنب لهم في كفرهم، لا لنا، فيكون على وجه التبري منهم ومن اتباعهم. «مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ» قيل: هذا قول الرؤساء، أي: لأرسلنا فإنهم لم يعبدونا، وإنما عبدوا الأصنام بدعائنا، فنحن منهم براء «وَقِيلَ» للكفار «ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ» قيل: الأصنام على وجه الاستعانة بهم «فَدَعَوْهُمْ» للضرورة مبالغة في الخزي والفضيحة، كما ينادي الإنسان على نفسه بأمر السلطان «فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ» أي: لم يجيبوا؛ لأنها جماد لا تسمع ولا تجيب. وقيل: هو على وجه التقدير؛ إذ لو دعوا واستغاثوا بهم لما أجابوا، ولما وجدوا عندهم النصرة «وَرَأَوْا الْعَذَابَ» قيل: عذاب النار النازل بهم، وقيل: الجحيم تبرز لهم فيرونها. «لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ» قيل: ودوا حين عاينوا العذاب لو كانوا يهتدون، و (لو) بمعنى التمني، أي: يتمنون أن لو كانوا يهتدون في الدنيا، وقيل: لو كانوا يهتدون لما رأوا العذاب، وقيل: جواب (لو) محذوف علي هذا، وقيل: لو كانوا يهتدون لما عبدوا الأصنام، وقيل: لو كانوا يهتدون إلى طريق تنجيهم لطلبوا الخلاص، ولكن لا سبيل إلى ذلك «وَيَوْمَ