التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون 71 قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون 72 ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 73 ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون 74 ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون 75}

صفحة 5525 - الجزء 8

  قلنا: لما تقدم أن الحمد له في الدارين عقبه بذكر ما يوجب الحمد من النعم.

  وقيل: تعود إلى قوله: {وَيَخْتَارُ} فبيّن أنه يختار لعباده ما هو أصلح لهم وأولى لمنافعهم.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى نعمه وما يدل على توحيده، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيكُمُ اللَّيلَ سَرْمَدًا» قيل: دائمًا، عن ابن عباس، ومجاهد. «إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ» لا يكون معه نهار وضياء «مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ» ما بَيّنهُ الله لكم من أدلته ونعمه، وقيل: أفلا تقبلون ما وعظتم به «قُلْ» يا محمد: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ» تستريحون «أَفَلَا تُبْصِرُونَ» قيل: أفلا تعلمون من البصيرة وهو العلم، وقيل: أفلا تشاهدون الليل والنهار، وكيف دبرها وقدرها، فتعلموا أنه من صنع مدبر حكيم «وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ» أي: من نعمه عليكم أن خلق الليل والنهار «لِتَسْكنُوا فِيهِ» في الليل «وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» وتتصرفوا في النهار «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» أي: تشكروا هذه النعم، فبين تعالى أنه لو دام أحدهما لم يتم التدبير، وإنما تم بأن جعل أحدهما عقيب الآخر كل ذلك لمنفعة عباده، [فكيف] عبدوا من لا يملك من ذلك شيئًا؟

  ثم عاد الكلام إلى ذكر القيامة، فقال سبحانه: «وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» قد بَيَّنَّا معناه.

  ومتى قيل: لم كرر ذلك؟

  فجوابنا: للتأكيد. وقيل: الأول: لتقرير الإقرار على اليقين بالضلال، والثاني:

  للتعجيز عن البرهان بحضرة الأشهاد. وقيل: في الأول بيان أنهم لا ينتفعون بأصنامهم، وفي الثاني توبيخ بعبادتهم، وفي كلا الوجهين إقامة الحجة عليهم.