التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون 71 قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون 72 ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 73 ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون 74 ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون 75}

صفحة 5526 - الجزء 8

  «وَنَزَعْنَا» أي: أخرجنا «مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ» من كل أهل عصر وجماعة. وقيل: من أمة كل نبيّ «شَهِيدًا» قيل: هم الأنبياء، فبين كلامه بحضرته؛ ليشهد على أمته بما كان منها، عن مجاهد، وقتادة. وقيل: هم عدول الآخرة، ولا يخلو كل زمان منهم، ويشهدون على الناس بما عملوا. وقيل: يشهدون للأنبياء بالتبليغ، وعلى العلماء بالإنذار، وعلى العامة بالقبول والإباء «فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» أي: حجتكم على صحة ما كنتم عليه من الشرك «فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ» قيل: معناه الحق في التوحيد، وقيل: الحق لله على عباده في عبادتهم له، وقيل: فسلموا أن الحجة كلها لله ولا حجة لهم عليه «وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ» أي: ضل ما كانوا يكذبون من حديث الأصنام، وأنها آلهة أو شفعاء، ولم يجدوا الشيء بما كانوا يعتقدونه حقيقة.

  · الأحكام: تدل الآية على عظيم نعمة الله في الليل والنهار، واختلافهما في الزيادة والنقصان، وتعاقبهما، وأن مصالح الخلق تتعلق بهما دينًا ودنيا، وأنه من تدبير مدبر حكيم.

  ويدل قوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أنه أراد من الجميع الشكر، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل أن في كل أمة جماعة تشهد في الآخرة عليهم، واستدل شيخنا أبو علي | بذلك أن كل زمان لا يخلو من شهداء لله تعالى.

  ويدل قوله: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} على صحة الحجاج في الدين لإلزام الخصم الحجة.

  وتدل على أنه لم يخلق الكفر؛ إذ لو خلقه لكان أعظم البرهان لهم أن يقولوا:

  إنه خلق فينا الشرك، ولولا ذلك لما أشركنا.