التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار 175}

صفحة 720 - الجزء 1

  واشتراؤهم العذاب بالمغفرة يرجع به إلى قصدهم ما يوجب النار، وتركهم ما يوجب الجنة، وقيل: العذاب بالمغفرة يعني استمروا، وتركوا التوبة التي تؤدي إلى المغفرة، واختاروا الإصرار، وهذه أيضًا فائدة جديدة «فَما أَصْبَرَهُمْ» قيل: هو استفهام والمراد به التوبيخ، أي كيف يصبرون، عن ابن عباس وابن جريج وابن زيد والسدي. وقيل: تعجيب منه تعالى للسامع بحالهم، عن الحسن وقتادة ومجاهد. يعني عجبًا من جرأتهم على النار مع معرفتهم بشدتها؛ لأنه لا يكاد يقال فيمن أقدم على عمل بشبهة وتأويل، فلما كانت اليهود أنكروا نبوته مع العلم صح ذلك فيهم، والتعجب لا يجوز على اللَّه تعالى، وإنما هو على وجهين أحدهما: تعجبوا ممن هذا حاله، والثاني: أنهم حكوا فعل من يتعجب منه، فالتعجب لنا منهم، واختلفوا في قوله: «فَمَا أَصْبَرَهُمْ» قيل: في الآخرة، وإنهم يصبرون لليأس من الخلاص، عن الأصم، وقيل: إنه في الدنيا ثم اختلفوا في معناه على أقوال، قيل: ما أجرأهم «عَلَى النَّارِ» أي على العمل المؤدي إليها، عن الحسن وقتادة والربيع، وهذه لغة إيمانية اشتق من الصبر الذي هو حبس النفس؛ لأنه بالجرأة يصبر على الشدة، وقيل: ما أَعْمَلَهم بأعمال أهل النار، عن مجاهد. مأخوذ من الصبر كأنهم حبسوا أنفسهم على عمل أهل النار. وقيل: ما أصبرهم على النار أي حبسهم عليها، عن الفراء. وقيل: ما أبقاهم على النار، كقوله: ما أصبرهم على الحبس!، حكاه الزجاج. وقيل: ما أدومهم على النار، عن الكسائي وقطرب. كأنه قيل: ما أدومهم على عمل أهل النار، كقولهم: ما أشبه سخاك بحاتم؛ أي بسخاء حاتم، وقيل: ما الذي جرأهم وصبرهم حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل؟، عن ابن عباس والحسن وعطاء وابن زيد.

  · الأحكام: الآية تدل على عقاب من كتم حقًّا يجب إظهاره لغرض من الدنيا، وفيها تنبيه على أنه لا ينبغي لأحد أن يقدم على عمل أهل النار، فإن الجرأة عليه ضلال عظيم.