التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 16 إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون 17 وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين 18 أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير 19 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 5555 - الجزء 8

  الدين «خَيرٌ لَكُمْ» مما هو شر، وقيل: «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» وجوه الأدلة والتفكر فيها «إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا» قيل: تقولون كذبًا بادعائكم أنها آلهة، وقيل: تصنعون أصنامًا بأيديكم، وسماها إفكًا لادعائهم أنها آلهة، عن مجاهد، وقتادة، وأبي علي. وقيل: تصنعون كذبًا، عن ابن عباس. وتحقيقه: تصنعون ما تقدرون عليه ثم تعبدونه، أتعبدون ما تنحتون؟! «إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا» يعني أن العبادة تُسْتَحَقُّ بأعلى مراتب النعم، وهي لا تقدر على شيء من النعم فلا تستحق العبادة فيه، على أنه تعالى المستحق للعبادة لأجل نعمه على عباده «فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرّزْقَ وَاعْبُدُوهُ» وحده، يعني: اطلبوا النعم منه؛ لأنه القادر عليه، واعبدوه وحده؛ لأنه المستحق للعبادة «وَاشْكُرُوا لَهُ»؛ لأنه المنعم «إِلَيهِ تُرْجَعُونَ» أي: إلى حكمه تصيرون يوم القيامة «وَإن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ» أي: جماعات قبلكم فأهلكوا. قيل: يجوز أن يكون هذا خطابًا لقوم النبي ÷، وتقديره: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، وإن تكذبوا، ويجوز أن يكون من تمام الحكاية لكلام إبراهيم، عن أبي مسلم. «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ» أي: أداء الرسالة وبذل النصيحة والدعاء إلى الدين (الْمُبِينُ) البين الواضح الظاهر الذي لا إشكال فيه، وهو صفة التبليغ «أَوَلَمْ يَرَوْا» قيل: ألم يعلموا، عن أبي علي. «كيفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» أي: هلا فكروا في ابتداء ما خلق ثم يعيده «إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» لا تعب عليه فيه ولا نصب، وقيل: من قدر على ذلك قدر على إرسال الرسل والإبانة بالمعجز، وقيل: من قدر عليه فهو المستحق للعبادة «قُلْ» يا محمد لهم «سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ» ما ينشئ من الأشجار والنبات والإنسان وسائر الحيوانات وغيرها، فمن قدر عليها قدر على الإعادة، وقيل: كيفية إيجادها يدل على أنه القادر العالم الحي الإله، وقيل: لتنظروا إلى آثار من كان قبلكم وعاقبتهم، فيحصل العلم بالصانع القديم وقيل: أمر بالمسير ليروا آثار الَّذِينَ عصوا ربهم فعوقبوا فآثارهم باقية، وديارهم خالية، وإذا رأوا ذلك خافوا العصيان وعلموا أنه لما خلقهم وأنعم عليهم كما خلق أولئك وأنعم عليهم لو خالفوا استحقوا العقاب كما استحق أولئك «ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ» أي: يعيدهم ثانيًا بعد إفنائهم «إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» فيفعل ما يشاء.