قوله تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون 21 وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير 22 والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم 23 فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 24 وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين 25}
  حَرِّقُوهُ» لما أعجزتهم الحجة عدلوا إلى الوعيد بالقتل والحريق، وهكذا حال الجهال والمبتدعة إذا أعيتهم الحجة عدلوا إلى السفاهة والوعيد «فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ» أي: خلصه من الحرق، قيل: خفف حرارتها وجعل مكانها بردًا؛ لأنها أعراض تتبادل، والحرارة والبرودة عرضان يتضادان لا يقدر عليهما غير الله تعالى، وقيل: بل جعل اعتماد النار إلى جانب آخر، وقيل: فصل بينه وبينها بمانع، وعلى كل الوجوه منع منه أَذِيَّةَ النار «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» أي: في نجاته من النار وهو في وسطها حجة على نبوته، وخص المؤمنين؛ لأنهم ينتفعون بها ويتفكرون فيها دون غيرهم، «وَقَالَ» إبراهيم لقومه {إِنَّمَا اتَّخَذتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَينِكُمْ} يعني: الذي اتخذتم من هذه الأوثان وعبدتموه مودة بينكم، تتحابون على عبادتها، وتتواصلون في الدنيا لها، ثم تنقطع تلك الوصلات. وقيل: تبتغون بعبادتها تقربًا إلى الرؤساء والملوك، وينقطع ذلك يوم القيامة، عن أبي مسلم. وقيل: إنكم لم تعبدوها لحجة، وإنما عبدتموها اتباعًا لأسلافكم ورؤسائكم؛ لتدوم بينكم المودة في الدنيا، عن أبي علي. «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ» قيل: يتبرأ المعبودون من عبادتها والعابدون من معبودها، ويتبرأ الأتباع من المتبوعين والمتبوعون من الأتباع وصار بعضهم أعداء لبعض «وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» أي: يدعو بعضكم على بعض باللعن «وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ» أي: مصيركم، يعني المتبوع والأتباع والعابد والمعبود «وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» ينصرونكم لتنجوا من العذاب.
  · الأحكام: تدل الآيات على معجزة لإبراهيم #.
  وتدل على أن المودات والوصلات في معصية. الله تصير عداوة يوم القيامة، ويلعن بعضهم بعضًا، حَثًّا على الموالاة في الدين وزجرًا عن موالاة العصاة.
  وتدل على أن المستحق للعذاب لا ناصر له.
  وتدل على أن اتخاذ الأوثان فعلُهم، فيصح قولنا في المخلوق.