التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم 26 ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين 27 ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين 28 أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين 29 قال رب انصرني على القوم المفسدين 30 ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين 31 قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين 32 ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين 33}

صفحة 5564 - الجزء 8

  دخلوا على إبْرَاهِيم أولاً فبشروه بإسحاق ويعقوب، و «قَالُوا» لإبراهيم: «إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ» يعني: قوم لوط «إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ»، «قَالَ» إبراهيم: «إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا» لننجينه، قيل: أراد إبراهيم: كيف يهلك أهل القرية وفيهم لوط؛ لكونه فيهم، فقالت الملائكة: «نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ» يعني: نخلص لوطًا بإخراجه منها «وَأَهْلَهُ» المؤمنين «إِلَّا امْرَأَتَهُ» كانت كافرة تخبر قومها بمن ينزل على لوط «كَانتْ مِنَ الْغَابِرِينَ» الباقين في العذاب.

  · الأحكام: الآية تدل على أن الهجرة كانت في شريعتهم كما هي في شريعتنا إذا خاف في المقام الفتنة.

  ويدل قوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} على أن بعض الثواب يجوز أن يعجل في الدنيا، فأما جميعه فلا.

  ويدل قوله: {فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} أنَّه في المجالس أشنع وأقبح.

  ويدل قوله: {رَبِّ انْصُرْنِي} على أن الواجب عند تضايق الأمور الانقطاع إلى الله تعالى.

  ويدل قوله: {إِلَّا امْرَأَتَهُ} أن القرابة لا تغني من عذاب الله.

  وتدل على جواز نَبِيٍّ امرأتُهُ كافرة.

  وتدل على انعقاد النكاح بين المؤمن والكافرة.

  وتدل على أن تلك الفواحش كانت فعلَهم حادثة من جهتهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.

  ويدل قوله: {ظَالِمِينَ} أن الظلم فعلُهم، وأن الظالم اسم ذم، وأنه اسم لفاعل الظلم.