قوله تعالى: {الم 1 غلبت الروم 2 في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون 3 في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون 4 بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون 6 يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون 7}
  أي: ذلك اليوم لما فيه من صدق النبي وظهور المؤمنين، وقيل: ذلك يوم بدر، ويومئذ عبارة عنه، فرحوا بما أتاهم من النصر والفتح، وقيل: يوم الحديبية «يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ» قيل: بنصر الله إياهم ومن صدق نبيهم، وكذب الكافرين والشماتة بهم، ولا يجوز صرف النصر إلى الروم؛ لأنهم كفار لا ينصرهم الله تعالى، ولا يفرح المؤمنون بغلبة الكفار، قيل: فرحوا بما نال الكفار من الغلبة والقهر «يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ» من عباده وهم الأنبياء والمؤمنون «وَهُوَ العَزِيزُ» أي: القادر على نصر المؤمنين. وعلى الانتقام من أعدائهم «الرَّحِيمُ» بمن أناب إليه من خلقه.
  ثم أكد البشارة، فقال سبحانه: «وَعْدَ اللَّهِ» أي: وعد الله المؤمنين بالنصرة، وقيل: وعد الله في الروم وأنها تغلب فارسا «لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ» في ذلك ولا في غيره «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ» صحة الوعد والوعيد وامتناع الخلف، وإنما لم يعلموا؛ لأنهم لم يستدلوا «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ» يعني: يعلمون منافع الدنيا ومضارها وعمرانها متى يزرعون، ومتى يحصدون، وكيف يجمعون، وكيف يبنون، وكيف يعيشون، وهم جهال بالآخرة، فعمروا دنياهم وخربوا آخرتهم، عن ابن عباس. وقيل: «يَعْلَمُونَ» يعني: الكفار، يعلمون ظاهر الحياة الدنيا، فينكرون صحة هذا الوعد في غلبة الروم وفي النبوة وما يتصل به، عن أبي علي. وقيل: يعلمون الدنيا، وينكرون الآخرة.
  · الأحكام: تدل الآيات على معجزة لرسول الله ÷ حيث أخبر عن الغيب فوجد مخبره كما أخبر، وقيل: فيه خبران من أخبار الغيب: ماض، ومستقبل، فالماضي غلبة فارس حين أخذت بيت المقدس، فأخبرهم في وقت كونه قبل ورود الخبر على العرب، والمستقبل ما أخبر بأن الروم تغلب فارسًا في بضع سنين، فكان كما أخبر، عن أبي علي، وأبي مسلم.