قوله تعالى: {الم 1 غلبت الروم 2 في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون 3 في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون 4 بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون 6 يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون 7}
  وقال الشعبي: لم تمض تلك المدة التي عقدها أبو بكر مع أبيّ بن خلف حتى غلبت الروم فارسًا، وربطوا خيولهم بالمدائن، وبنوا الرومية، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثته، وجاء به إلى رسول الله ÷، فتصدق به. وروي عن رسول الله ÷ أنه قال: «لفارس نطحة ونطحتان، ثم لا فارس بعدها أبدًا، والروم ذات قرون، كلما ذهب قرن خلف قرن هيهات إلى آخر الأبد»، ومعنى نطحة أي: تُنْطحُ مرة أو مرتين، فيبطل ملكها، ويزول أمرها.
  · المعنى: {الم} قيل: اسم للسورة، عن الحسن، وقتادة، وأبي علي. وقيل: إشارة إلى أن القرآن مؤلف من هذه الحروف، وأنتم تتكلمون بها، وعجزتم عن مثلها، فدلكم على أنه معجز، وليس من كلام البشر، عن أبي مسلم. وقيل: إشارة إلى حدث القرآن؛ لأنه مؤلف من هذه الحروف، عن أبي بكر الزبيري. وقيل: إنه من أسماء الله تعالى «الم» أنا الله أعلم، عن ابن عباس. وقد بينا أن في هذه الحروف أقاويل جمة؛ وأن هذه المعاني التي ذكرناها مجملة وبينا الوجه. «غُلِبَتِ الرُّومُ» أي: غلبهم فارس في بعض حروبهم وظهروا عليهم، وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه «فِي أَدْنَى الأَرْضِ» قيل: أدنى الأرض إلى جهة عدوهم، وقيل: أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس، قال ابن عباس: هي طرف الشام، وقال مجاهد: أرض الجزيرة، وقال مقاتل: الأردن وفلسطين «وَهُمْ» يعني الروم «مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» أي: من بعد أن غلبت فارس عليهم «سَيَغْلِبُونَ» فارسًا «فِي بِضْعِ سِنِينَ» قيل: ما دون العشرة، والبضع ما بين الثلاثة إلى العشرة، في خبر مرفوع. «لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» قيل: من قبل دولة الروم على فارس وبعدها، فلو أراد هلاكهم لفعل، وقيل: الأمر فيما مضى وفيما بقي، وهو عبارة عن ملكه في عموم الأوقات، فلو أراد هلاكهم لأهلكهم؛ لكن يريد إهلاك بعضهم ببعض «وَيوْمَئِذٍ» يعني: يوم غلبت الروم فارسًا، فقد كان فيه علامة نصر الله للمؤمنين، وتصديق رسوله «يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ»