التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون 11 ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون 12 ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين 13 ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون 14 فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون 15 وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون 16}

صفحة 5608 - الجزء 8

  العقاب. «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ» قيل: يكرمون، عن ابن عباس. وقيل: ينعمون، عن قتادة، ومجاهد. وقيل: يسرّون لما بلغوا كمال المراد، عن أبي عبيدة. ومنه قيل: كل حبرة تتبعها عبرة، وقيل: يتلذذون بالسماع والجنة، عن يحيى بن أبي كثير. و [قال] الأوزاعي: لا أحد أحسن صوتًا من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع عليهم ما هم فيه، [و] عن أبي هريرة في الجنة شجرة أصلها ذهب، وأغصانها فضة، وثمرها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت، يبعث الله ريحًا فيحتك بعضها ببعض فما سمع أحد شيئًا أحسن منه. «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ» أي: محضر في جهنم للعذاب، عن أبي علي. وقيل: كلما أخرجوا منها أعيدوا فيها أبدًا، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: يدل قوله: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} على صحة قولنا في الفناء والإعادة؛ لأن الإعادة إنما تصح إذا صح الفناء.

  ومتى قيل: كيف يفنى الخلق؟

  قلنا: يخلق ضدا له يقال له: الفناء، فتبقى الأجسام بما فيها من الأعراض، عن أبي علي، وأبي هاشم، وأصحابهما. وقيل: بل يعدم الأجسام، عن أبي الحسين الخياط. وقيل: بل يخلق فيها كونًا لا يبقى، ولا يخلق عقيبه كونا آخر، فينتفي. وقيل:

  لا تفنى الأجسام؛ وإنما يعيدها بأن يجمعها ويحييها، عن الجاحظ. وقيل: يقول:

  افْنَ، فيفنى، وهذا ركيك من القول.

  ويدل قوله: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} على إثبات المعاد.

  ويدل قوله: {يُبْلِسُ} أن الكفار ييأسون من رحمة الله، ويعرفون قبيح ما كانوا عليه، ويعترفون بالحق.