قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون 41 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين 42 فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون 43 من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون 44 ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين 45}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما ظهر بسبب عصيانهم، وعقبه بالأمر والنهي والوعد والوعيد والموعظة، فقال سبحانه: «ظَهَرَ الْفَسَادُ» قيل: الفساد المعاصي بدليل قوله: {وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة: ٢٠٥] والمراد ظهر عقوبة الفساد، عن الحسن. وقيل: الفساد قلة المطر، ونقص الغلات، وذهاب البركة. وقيل: الفساد قتل قابيل هابيل «فِي البَرِّ
  وَالْبَحْرِ» ما حكى الله تعالى في سورة (الكهف) من قصة الملك الجائر الذي كان يأخذ كل سفينة غصبًا، عن ابن عباس، ومجاهد. «فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» قيل: في العلماء والعوام، فالبحر: العلماء، والبرّ: العوام، فيظهر الفساد في العلماء بإظهارهم البدع أو اشتغالهم بالدنيا أو لغفلتهم أو لطلبهم الرئاسة، فيتعدى ذلك إلى فساد العامة. وقيل: أجدب البر وانقطعت مياهه. وقيل: كان هذا قبل البعثة أظلمت الأرض بالكفر والبدع، فلما بُعِثَ محمد ÷ رجع راجعون إلى الحق. والأوجه هو الأول ظهرت المعاصي في البر والبحر، قيل: البر: البادية، والبحر: القرى التي على الأنهار العظيمة، عن قتادة. وقيل: البَر: الأمصار، والبحر هو المعروف، عن عطية قال: إذا قَلَّ المطر قَلَّ الغوص، قال ابن عباس: إذا مطرت السماء فتحت الأصداف فاها، فما وقع فيها فهو لؤلؤة مِلْحاً كان أو عذبًا. وقال مجاهد: والله ما بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جارٍ فهي بحر. وقال عكرمة: العرب تسمي القرى بحرًا. وقال الحسن:
  البحر: القرى على ساحل البحر. «بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» قيل: بما عملوا من الكفر والفسق، وقيل: بسوء فعلهم، وبشؤم معاصيهم. وقيل: أراد به الفسق دون الكفر؛ لذلك أضافه إلى الأيدي «لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا» قيل: عقوبة ببعض ما عملوا «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» عن أفعالهم القبيحة، فحذف الجزاء لدلالة الكلام عليه، وقيل: ليذيقهم المصائب والمحن لطفًا لهم؛ ليرجعوا عن المعاصي بأن يتفكروا في أنفسهم فإذا لم يمكنه دفع هذة المشاق فَلأَنْ لاَ يمكنه دفع عذاب النار أولى، فإذا تفكر في هذا رجع إلى الله وتاب عن معاصيه، وقيل: هو لطف وعقوبة «قُلْ» يا محمد لهم: «سِيرُوا فِي الأَرْضِ» ليس هو بأمر، وإنما هو مبالغة في العظة وإقامة للحجة. وعن