قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون 41 قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين 42 فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون 43 من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون 44 ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين 45}
  ابن عباس: من قرأ القرآن وعلمه سار في الأرض، يعني: أن في أخبار الأمم. «فَانظُرُوا كيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ» من الملوك الفانية والأمم الماضية كيف أهلكهم الله، وقد صار مجالسهم مقابرهم، وقصورهم قبورهم، فلم يبق لهم أثر.
  ثم بَيَّنَ أنه إنما فعل ذلك لأجل فعلهم، فقال سبحانه: «كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ. فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ» أي: استقم للدين القيم «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» يعني يوم القيامة، فيفوت استدراك ما فرط، إنه «لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ» يعني: ذلك اليوم لا مرد لأحد، وقيل: إنه تعالى أخبر أنه لا يرده، ولا يقدر غيره عليه فيكون له مرد، وقيل: (له) كناية عن العبد، أي: لا مرد للعبد إلى حالة التكليف بعد قيام الساعة، وبعدما اضطر إلى المعرفة. وقيل: «لاَ مَرَدَّ لَهُ» أي: لذلك اليوم ولأنه يؤدي إلى ترك الجزاء الذي لأجله يحسن التكليف «يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ» أي: يتفرقون: فريق في الجنة وفريق في السعير، عن قتادة وغيره. «مَنْ كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفْرُهُ» أي: جزاء كفره «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ» أي: يفرشون ويسوون المضاجع في القبر والقيامة، وهذا توسع، والمراد أن من صلح عمله فالله يجزيه الجزاء الحسن بسبب عمله، فكأنه مَهَدَ لنفسه «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ» قيل: من عطائه؛ لأنه وعد الثواب الكثير على العمل القليل، وقيل: «من فَضْلِهِ»: من عطائه، عن أبي مسلم. وقيل: بسبب فضله؛ لأنه خَلَقَهُ وكلفه وهداه ومكنه، وأزاح علته حتى استحق الثواب. وقيل: يعطيهم الثواب المستحق، ويزيدهم من فضله «إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ» أي: لا يريد كرامتهم خلاف المؤمن، عن أبي علي. وقيل: إنه إنما يعطي جزاء ما فعلوا؛ لأنه لا يحب كافرَ لعَمِهِ، بلْ يحب من شكر نعمه، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: يدل قوله: {ظَهَرَ الفَسَادُ} أن الفساد يظهر بكسب الناس، ولو كان خلقًا لله تعالى ابتداء لما كان بسبب فعلهم، والصحيح في معنيَ الآية: أن الفساد كثر في الأرض من أعمال العباد، والمراد بالفساد: المعاصي، والظلم، وترك الإنصاف والأمر بالمعروف، وارتكاب المنكرات؛ ولذلك قال: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} أي: جزاء ذلك.