التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون 46 ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين 47 الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون 48 وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين 49 فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير 50}

صفحة 5633 - الجزء 8

  قلنا: على المعنى، بتقدير: من يرسل الرياح للبشارة ولإذاقة الرحمة، {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ}، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، فأرسل الرياح لهذه الأمور.

  وقيل: الواو معجمة وهي محذوفة، يعني: يرسل الرياح ليذيقكم.

  ويقال: ما معنى: {مِن قَبْلِ} الأول، و (من قبل) الثاني؟

  قلنا: فيه قولان: قيل: للتأكيد، وقيل: الأول من قبل الإنزال، والثاني من قبل الإرسال، وقيل: الأول من قبل المطر، والثاني من قبل الزرع فلم يزرعه.

  {فَيَبْسُطُهُ} رد الكناية إلى لفظ السحاب؛ فلذلك ذكره وإن كان السحاب جمعًا.

  · المعنى: «وَمِنْ آيَاتِهِ» أي: من حججه الدالة على توحيده وصفاته مع ما فيه من سبوغ نعمه «أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ» ولا يقدر عليه أحد إلا هو «مُبَشِّرَاتٍ» أي: تيشر بالمطر فهو كالناطق بالبشارة لما فيه من دلالة الحالة التي أجرى الله تعالى بها العادة «وَلِيُذِيقَكُمْ» أي: يعطيكم «مِنْ رَحْمَتِهِ» أي: نعمته التي سببها المطر «وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ» في البحر بالريح، ولولاه لتعذر ذلك «بِأَمْرِهِ» قيل: بإذنه، وهو ما يرسل من الرياح، وقيل: بإجرائه «وَلِتَبْتَغُوا» لتطلبوا «مِنْ فَضْلِهِ» قيل: بركوب البحر، وقيل: بالأمطار بما تزرعون «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» أي: ولتشكروا هذه النعم، وهو استدعاء إلى الشكر بألطف الوجوه «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ» يا محمد «رسلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» على صحة ما جاؤوا به، والبينة: الحجة. «فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا» أي: عاقبناهم وأهلكناهم لسوء أفعالهم بعذاب الاستئصال، وفيه بشارة للنبي ÷ أنه ينتقم له من أعدائه كما انتقم لهم، و «الَّذِينَ أَجْرَمُوا» أي: عصوا وأتوا بالجرائم، وهي الذنوب «وَكَان حَقًّا عَلَينَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» أي: واجب علينا نصر المؤمنين فيمن ينصرك، قيل: هذا خاصة للنبي ÷، وقيل: بل لكل مظلوم ينتقم له من ظالمه، وقيل: تقديره: كان نصر المؤمنين حقًّا علينا، وإنما ذكر على ما ذكر لرؤوس الآي.