التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الم 1 تلك آيات الكتاب الحكيم 2 هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5 ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 6 وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم 7 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم 8 خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم 9 خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم 10 هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين 11}

صفحة 5646 - الجزء 8

  · المعنى: {الم} قد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وأن الحسن وأبا علي قالا: إنه اسم للسورة، وأن أبا مسلم ذكر أنها إشارة إلى أن القرآن من هذه الحروف، وأنتم تتكلمون بها، ثم عجزتم عنها؛ لتعلموا أنه معجز، وأن أبا بكر الزبيري أشار إلى أنه إشارة إلى حدث القرآن من حيث أُلِّفَ من هذه الحروف، وأن جماعة قالوا: هي مفاتح اسم الله، ويروونه عن ابن عباس، وأن أبا علي قطرب ذكر أنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن، فذكر في أوله ما لم يكن عندهم، ثم يأتي الكلام من بعد ليستمعوا «تِلْكَ آيَاتُ الْكِتابِ»: يعني [آيات] الكتاب الذي وَعَدْتُ إنزالها إليك في التوراة، وقيل: في اللوح المحفوظ، وقيل: هذه السورة هي آيات الكتاب، والكتاب: القرآن، وهذا أوجه الأقوال «الْحَكِيمِ» قيل: المُحْكَم ليس فيه ما ينقصه، وقيل: حكيم، لأنه بَيَّنَ الحق من الباطل كما بينه الحكيم بنطقه، وقيل: ذو الحكمة البالغة، وقيل: مِنْ مُحْكِمٍ أحكم فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقيل: أحكم نظمه وتأليفه ومعناه، حتى صار معجزًا فكان محكمًا لا يقدر أحد على مثله «هُدًى» أي: دلالة وبيانًا فيما يحتاج إليه من العقليات والسمعيات» «وَرَحْمَةً» أي: نعمة؛ لأن من آمن به وعمل بما فيه نال الثواب الدائم «لِلْمُحْسِنِينَ» الَّذِينَ يحسنون العمل، وخصهم بالذكر؛ لأنهم ينتفعون به، وإلا فهو هدى للجميع. ثم وصف المحسنين فقال سبحانه: «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ» يديمونها بأركانها في أوقاتها «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» أي: يعطون حقوق أموالهم الواجبة للفقراء «وَهُم بالآخِرَةِ» أي: بالدار الآخرة، أي: بالبعث والنشور والجزاء «هُمْ يُوقِنُونَ» لا يَشُكّون فيه «أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ» على دين مستقيم يهديهم إلى الجنة «وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الظافرون بالبغية.

  ثم وصف من حاله بخلاف حال المؤمن، فقال سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قيل: هو شراء المغنيات، عن مجاهد. وتقديره: يشتري ذا لهو وذات