التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الم 1 تلك آيات الكتاب الحكيم 2 هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5 ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 6 وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم 7 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم 8 خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم 9 خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم 10 هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين 11}

صفحة 5647 - الجزء 8

  لهو، ويُروَى في خبر مرفوع: أنها مُحَرَّمَة، وقيل: استبدل حديث الباطل بحديث الحق وهو كل لهو ولعب، عن قتادة. وقيل: لهو الحديث الغناء، عن ابن عباس، وابن مسعود، ومجاهد، والضحاك، ومكحول. وقيل: لَهْوُ الحديث: كل حديث يُلْهِي عن سبيل الله وطاعته إلى ما نهى عنه، فيستميل قلوب العامة كما يفعله علماء زماننا. وقيل: هو الطبل، عن ابن جريج. وقيل: هو الشرك، عن الحسن، والضحاك. وقيل: هو الترهات والبَسَابِسُ، عن عطاء. وقيل: هو الحكايات المضحكة، والأحاديث الكاذبة، وقيل: هو الهُزْءُ والسخرية بالقرآن واللغو فيه، عن أبي مسلم. «لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: ليضل الناس عن الدين، ويمنعهم عن قراءة القرآن. وقيل: هو قراءة القرآن، وذكر الله، عن ابن عباس. «بِغَيرِ عِلْمٍ» أي: بغير حجة يعلم بها صحتها «وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا» الهاء كناية عن جميع ما تقدم من ذكر الصلاة والزكاة والقرآن والآخرة والجزاء، اتخاذهم: هو استهزاؤهم به، كقولهم: أهو نبي؟ وما معنى الصلاة؟ وقيل: هو في دفع الحق بالباطل «أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ» يعني: مُذِلٌّ، وهو عذاب جهنم «وِإذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا» يعني: حججنا، وقيل: هو القرآن «وَلَّى مُسْتَكْبِرًا» تكبُّرًا عن قبوله، يوهم العامة أنه يعلم، ولا طائل تحته مخافة ذهاب سوقه. «كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» أي: لم يقبلها بمنزلة من لم يسمعها «كَأَنَّ فِي أُذُنَيهِ وَقْرًا» صممًا وثقلاً يمنعه من سماعه «فَبَشِّرْهُ» أي: أخبره «بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» مُوجِع «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيم. خَالِدِينَ فِيهَا» أي: مؤبدين فيها لا يموتون ولا يخرجون ولا ينقطع نعيمهم «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا» أي: ذلك وعد وعده الله تعالى لا خلف فيه «وَهُوَ الْعَزِيزُ» القادر لا يمتنع عليه شيء «الْحَكِيمُ» في أفعاله يجازي كل أحد بما يستحقه.

  ثم بَيَّنَ دلالة توحيده، فقال سبحانه: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا» قيل: ترونها بغير عمد، يعني: لا عمد لها، وهو يُسْكِنُها مع عظمها. وقيل: بغير عمد مرئية «وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ» جبالاً ثوابت «أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» أي: كيلا تضطرب وتتحرك يمينًا وشمالاً، فتمنعكم عن التصرف والسكون «وَبَثَّ» أي: فَرَّقَ «فِيهَا» أي: في الأرض «مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ» ما يدب على الأرض من أنواع الحيوان «وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً