التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الم 1 تلك آيات الكتاب الحكيم 2 هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5 ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين 6 وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم 7 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم 8 خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم 9 خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم 10 هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين 11}

صفحة 5648 - الجزء 8

  فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ» أي: حسن النبتة طيب الثمرة. «هَذَا» يعني: ما تقدم ذكره «خَلْقُ اللَّهِ» أي: هو الذي أوجده وأحدثه «فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» يعني: لمن اعتقدتم كونها آلهة «بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ» أي: بيّن واضح في ادعائهم الأصنام آلهة، وقيل: في عذاب وهلاك ظاهر مع كونهم مستحقين لعذاب الله. وقيل: ما دعاهم إلى عبادتها أنها تخلق شيئًا؛ لكن ضلالهم للجهل بحالها.

  · الأحكام.

  يدل قوله: {هُدًى} أن القرآن حجة يجب التدبر فيها.

  ويدل أن المعارف مكتسبة، لولاه لما صح وصف الآيات والكتاب بأنه هدى.

  وتدل على حدثه؛ لأن القديم لا يكون دلالة.

  وتدل الآيات أن المفلح هو المحسن الذي يضم إلى إحسانه القيام بالعبادات، خلاف قول المرجئة.

  ويدل قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} على تحريم لَهْوِ الحديث، وقد بينا ما قيل فيه، قال القاضي: والأقرب ما حمله عليه أبو علي، وهو كل ما يتلهى به أهل الباطل، ولأن الغناء لا يطلق عليه اسم الحديث، وكذلك الأصنام والطبل، ولأن الغناء لا يُقال: إنه ضلال عن الدين، وإن كان فسقًا.

  ويدل قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} على قبح الإقدام على شيء بغير علم.

  ويدل قوله: {وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} على قبح التكبر، ووجوب الانقياد، والخضوع في الدين.

  وتدل على أن العمل الصالح فعلُهم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.

  ويدل قوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} أنه أوجدها ويمسكها حالا بعد حال، وأنه تعالى هو المستحق للعبادة لكونه إلهًا خالقًا لكل شيء.

  ومتى قيل: لِمَ أجمل الله تعالى الأدلة، ولم يفصلها؟

  قلنا: لنوع من المصلحة، ولأنه أقرب إلى أفهام العوام، ولأنه كلف العلماء تفاصيله وحل الشبه فيها، فبيّن الأنبياء بعضها، ونبه على بَعْضٍ فَفَصَّلَها العلماء.