قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير 21 ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور 22 ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور 23 نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ 24 ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون 25}
  كَانَ الشَّيطَانُ يَدْعُوهُمْ» يعني: فيما يتبعون آباءهم من الشرك فإن الشيطان يدعوهم «إِلَى عَذابِ السَّعِيرِ» يعني إلى موجباته، وهي الكفر والمعاصي، فيتبعونه فيستحقون العذاب عذاب السعير، وهو نار جهنم.
  ولما ذمَّ المُقَلِّدَةَ أتبعه بذكر مَن اتبع الدليل، فقال سبحانه: «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ» أي: يخلص دينه لله ويفوض أمره إليه، وإسلام الوجه هو الانقياد له في أوامره ونواهيه، وذلك يتضمن العلم والعمل، وقيل: معناه: من يدخل في هذين الدارين «وَهُوَ مُحْسِنٌ» يفعل الإحسان، وهو الطاعات «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ» أي: اعتصم. «بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» بالطرف الأوثق والعقد المحكم، أي: أخذ بالحزم، وهذا مَثَلٌ لمن احتاط في أمر الدين، وقيل: هو قول «لا إله إلا الله»، عن ابن عباس. وقيل: هو طاعة الله فيما أمر ونهى، وهو أوجه «وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» أي: مرجعها ومصيرها إلى حكمه «وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ» قيل: لا يحزنك قولهم فوباله عليهم «إِلَينَا مَرْجِعُهُمْ» إلى حُكْمِنَا مصيرهم، فنعذبهم بجرمهم، وقيل: فنجازيهم و «نُنَبِّئُهْم» إشارة إلى المناقشة في الحساب؛ لأنهم يحاسبون على كبائر الذنوب وصغائرها، ويتضمن السؤال عن العلم والعمل وعن الفعل والترك «إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» بما تشتمل عليه القلوب من خير وشر، وذلك في الاعتقادات والإرادات والظنون والتفكر وغير ذلك «نُمَتّعُهُمْ قَلِيلًا» أي: نعمرهم ونمهلهم ونعطيهم من ملاذ الدنيا ونعيمها ما يتمتعون به مدة قليلة «ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ» قيل: نلجئهم، وقيل: نضطرهم: نقربهم، والاضطرار: «افتعال» من الضرر الذي هو القرب، عن أبي مسلم. «إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ» قيل: شديد، وقيل: مضاعف؛ لأن الشيء إذا ضوعف غلظ، كقوله: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}[النحل: ٨٨]. «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ» يعني: كفار مكة «مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» خلقها «قُل» يا محمد أو أيها السامع: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» على نعمه بذلك «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» نعمه، ولو نظروا لعلموا، وقيل: ليشكروا الله على دين يقر لك خصمك بصحته لوضوح دلالته، عن أبي علي. وقيل: الحمد لله شكرًا له؛ لأنك تُقِرُّ به عن علم، وهم يقرون لا عن علم.