قوله تعالى: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور 31 وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور 32 ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 33 إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير 34}
  يقال: جَزَيْتُ عنك أَجْزِي، إذا أغنيت عنك، وفيه لغة أخرى: يجزئ عنك بالهمز من أَجْزَأتُ، (ولا تَجْزِي نفسٌ) أي: لا تقضي، ومنه: «ولا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» ويقال: جزى عني بغير همز، ومنه: جزاه الله خيرًا أي: قضاه، فإذا كان بمعنى الكفاية قلب جَزَى غير مهموز واجْزِهِ.
  · الإعراب: يقال: لِمَ قال: {بِأَيِّ أَرْضٍ} والأرض مؤنثة؟
  قلنا: فيه قولان:
  أولهما: قيل: لأنه ليس فيها علامة التأنيث ولا تأنيثه حقيقة، فجاز أن يُذَكَّرَ.
  وثانيهما: أراد بالأرض المكان. وقرأ أُبيٌّ: «بأية أرض».
  والضمير في قوله: {غَشِيَهُم} يرجع إلى أهل السفينة.
  · النزول: قيل: [نزلت في رجل اسمه] الحارث بن عمرو من [أهل] البادية، سأل رسول الله ÷ عن علم الساعة ووقتها، وقال: إن أرضنا أجدبت، فمتى ينزل الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى فما تلد؟، وقد علمت أني وُلدْتُ فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}.
  · المعنى: ثم أكد ما تقدم من نعمه وأدلة وحدانيته، فقال سبحانه: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ» أي: برحمته «لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ» من حججه، والآية والنعمة في ذلك خلق الماء بحيث تجري فيه السفن، وخلق الخشب على وجه يجري، ولا يرسب، وأجرى الريح على وجه يُجري السفن «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لكُلِّ صبَّارٍ» على أمر الله «شَكُورٍ» على نعمه.