قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون 12 ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 13 فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون 14 إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون 15}
  لكن حكمه ألَّا يُرَدَّ أحد إلى دار الدنيا وإلى التكليف بعد البعث، عن الحسن، وأبي علي. والأول إخبار عن قدرته ورأفته، وكذلك الثاني. وقيل: لو شاء أن يدخلهم الجنة قدر عليه، ولكن سبق الوعيد أن المؤمن يدخل الجنة والكافر يدخل النار. ومعنى «هُدَاهَا» ما هو خير لها، وهو الجنة، فهو إخبار عن قدرته، عن أبي مسلم. «وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي» قيل: سبق، وقيل: وجب الوعد والوعيد، وقيل: هو قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٥] «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ» قيل: أراد من كثرة أهلها، وقيل: لم يرد الكثرة؛ لأنهم ولو قلوا لامتلأت جهنم من أجسامهم.
  ومتى قيل: لو علم أنهم يؤمنون لو ردوا أكان يجب ردهم؟
  قلنا: لا يجب؛ لأنه ابتداء تكليف، ولأنه تعالى علم أنه لا لطف لهم؛ لذلك قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا}[الأنعام: ٢٨].
  «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» أي: أهل النار من هذين الجنسين، ثم يقال لهم: «فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ» قيل: إعراض نسيان وغفلة كالواثق بأنه لا يكون، وقيل: «نَسِيتُمْ» أي: تركتم العمل بها فصار كالمنسي لكم، فإنما حقيقة النسيان هو فعل الله تعالى، وهو إذهاب العلم الضروري بما جرت العادة بالعلم بها «لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا» يوم القيامة، وقيل: أراد عذاب يوم القيامة «إِنَّا نَسِينَاكُمْ» قيل: جازيناكم النسيان، فسمى الجزاء عليه باسمه، وقيل: تركتم عبادة الله فتركنا رحمتكم عند الجزاء فلم نرحمكم، وقيل: تركناكم في النار كالمنسي لا يلحقكم غوث «وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» من الكفر والمعاصي.
  ثم عقب - بذكر المؤمنين فقال سبحانه: «إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا» أي: القرآن وسائر الحجج «الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا» أي: وُعِظُوا بها، والتذكر مرة يقع بتلاوة القرآن، وتارة بالتنبيه على الأدلة «خَرُّوا سُجَّدًا» قيل: سقطوا ساجدين، وقيل: خضعوا لله «وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» قيل: نزهوه عما يقوله الكافرون مما وصفوه من حمده وثنائه، وقيل: عظموه وحمدوه؛ لما وفقهم من ذلك «وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ» عن عبادته.