التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون 12 ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 13 فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون 14 إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون 15}

صفحة 5679 - الجزء 8

  والاستكبار والاستنكاف من النظائر.

  · الإعراب: جواب (لو) محذوف، تقديره: ولو ترى لرأيت أمرًا عظيمًا، وقيل: لرأيت ما تعتبر به غاية الاعتبار، وقيل: حذف جواب (لو)؛ لأنه أبلغ في التهويل؛ لأن القدر يذهب فيه كل مذهب، وقيل: جوابه في معنى الكلام.

  · المعنى: لما تقدم الحكاية عنهم في إنكار البعث بَيَّنَ حالهم عند البعث واعترافهم، فقال سبحانه: «وَلَوْ تَرَى» أيها الإنسان «إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ» أي: طَأطَؤُوا رؤوسهم، لا يرفعونها، قيل: من الغم والحسرة، عن أبي علي. وقيل: من الحياء والخزي «عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي: يوم القيامة؛ لأنه تعالى لما جعلهم كالراجعين إليه يوم القيامة بالإعادة والنشور جعلهم كأنهم عنده من حيث يتصرفون في حكمه وأمره «رَبَّنَا» فيه حذف؛ أي: ويقولون: [«رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا»] قيل: أبصرنا صدق وعدك وما كنا نكذب به، وسمعنا منك تصديق رسلك، وقيل: أبصرنا الرسل، وسمعنا الحق، وقيل: كنا بمنزلة العُمْيِ الصم، فالآن أبصرنا وسمعنا، وقيل: أبصرنا وسمعنا ما لم نكن نبصره، ونسمعه في الدنيا، فلم ينفعهم ذلك يومئذ، وقيل: معناه أبصرنا رسولك في الدنيا، وسمعنا شريعتك، فليس لنا حجة ولا عذر «فَارْجِعْنَا» أي: لا عذر لنا إلا أن نسأل الرجعة، «فَارْجِعْنَا» أي: دار الدنيا والتكليف «نَعْمَلْ صَالِحًا» أي: نتلافى ما فرطنا من الأعمال الصالحة «إِنَّا مُوقِنُونَ» أي: اتضح الحق وحصل اليقين وما كنا فيه في شك، وقيل: إنا موقنون أن لك الحجة البالغة «وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا» قيل: لو شئنا لآتيناهم الهدى جبرًا وإلجاءً، إلا أن فيه إبطال التكليف وفساد التدبير، فاختار أن يخيرهم ويخلي بينهم وبين أفعالهم، ليدخل المؤمن الجنة وتمتلئ النار من المستحقين للعذاب، عن أبي علي. وقيل: لو شئنا لأجبناهم إلى ما سألوا ولآتيناهم طريق التكليف، كما آتيناهم في الدنيا، أو رددناهم إلى الدنيا كما سألوا؛