قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون 16 فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون 17 أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون 18 أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون 19 وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون 20}
  وثانيها: أن الإبهام أعظم في النفوس، تقول: عندي لك ما لا يخطر ببالك، فيكون هذا لأجل مزية تذكر شيئا شيئًا.
  وثالثها: أن الثواب لا يتناهى، فلا يمكن استدراك علمه بالتفصيل.
  ورابعها: أنه جعله في مقابلة صلاة الليل، وهي خفية، فكذلك ما بإزائه.
  «مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» يعني: ما تقر به العيون لحسنه وبهائه، وأضافه إلى الأعين، لا إلى عينه، إشارة إلى أنها غاية في الحسن تقر به كل عين «جَزَاءً بِمَا كَانوا يَعْمَلُونَ» من الطاعات «أَفَمَنْ كَان مُؤْمِنًا» استفهام، والمراد التقرير؛ يعني: إذا كان مؤمنًا استحق ما تقدم «كمَنْ كَانَ فَاسِقًا» يستحق النار «لاَ يَسْتَوُونَ».
  ثم بَيَّنَ حال الفريقين، فقال: «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى» اسم لجنة مخصوصة، وقيل: اسم للجنان كلها، والمراد بالمأوى الدوام؛ لأنه يأوي إليها أهلها أبدًا «نُزُلاً» أي: عطاء، عن الحسن، يعني: عطاء ينزلونه، وقيل: ما ينزل للضيف، يعني: أنهم في حكم الأضياف في الجنة «بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: استحقوه جزاء أعمالهم «وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا» أخرجوا عن طاعة الله «فَمَأْوَاهُمُ» مرجعهم ومصيرهم «النَّارُ كلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا» كلما كادوا يخرجون؛ لأنها ترفعهم بلهبها ضُرِبوا بمقامع حتى يهووا فيها، عن الحسن. وقيل: الإرادة توسع ومجاز، والمراد كادوا يخرجون؛ لأنهم آيسون عن الخروج، فلا يحسن منهم إرادته، وقيل: يحسن وإن علموا أنه لا يكون، وكلما أرادوا أن يخرجوا وقصدوا مُنِعُوا من ذلك، والعلم بأن الشيء لا يكون لا يمنع حسن إرادته، ولأن خروجهم لو أخرجوا حَسَنٌ، لذلك أرادوه، وهذا قول أبي هاشم ومن تبعه. «وَقِيلَ لَهُمْ» استخفافًا وتوبيخًا: «ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ».
  · الأحكام: تدل أول الآيات على عظم موقع صلاة الليل والترغيب فيها، وهو الأشبه بالآية، وعن معاذ أن النبي ÷ قرأ هذه الآية ثم قال: «هو قيام العبد من الليل»، ولا خلاف أنها سنة.