قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون 16 فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون 17 أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون 18 أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون 19 وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون 20}
  العشاء الآخرة، فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} الآية، كنا نصلي المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء.
  وعن أنس أنها نزلت في الَّذِينَ لا ينامون قبل العشاء الآخرة.
  وقيل: نزلت في صلاة الليل، عن معاذ مرفوعًا.
  وقيل: نزل قوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط، جرى بينهما كلام، فقال لعلي: اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانًا وأحدُّ سنانًا، فقال له علي: اسكت؟ فإنك فاسق، فنزلت الآية.
  · المعنى: ثم وصف تعالى المؤمنين وما أعد لهم، فقال سبحانه: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ» أي: ترتفع وتتباعد جنوبهم «عَنِ الْمَضَاجِعِ» أي: يقومون للصلاة ولا ينامون. و «يَدْعُونَ رَبَّهُمْ» قيل: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، عن أنس، وقتادة. وقيل: هو صلاة الليل، عن أبي العالية، والحسن، ومجاهد، وابن زيد، وروي ذلك مرفوعًا. وقيل: يذكرون الله بالدعاء والتعظيم، عن الضحاك، وروي عنه: لئن أصلي العشاء والفجر في جماعة [...]، وقيل: يصلون صلاة العتمة، ولا ينامون عنها، عن عطاء. وقيل: يشتغلون بالدعاء عقيب الصلاة «خَوْفًا وَطَمَعًا» قيل: خوفًا من عذاب اللَّه، وطمعًا في رحمة الله، عن جماعة أهل العلم. «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ» أعطيناهم «يُنفِقُونَ» في طاعة الله.
  ثم ذكر جزاءه، فقال سبحانه: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» يعني: أُعِدَّ لهم وهم لا يعلمون.
  ومتى قيل: ما فائدة الإخفاء؟
  فجوابنا: لوجوه:
  أحدها: أن الشيء إذا عظم خطره وجل موقعه لا تستدرك صفاته على كنهه إلا بشرح طويل، ومع ذلك يكون إبهامه أبلغ.