التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون 21 ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون 22 ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل 23 وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون 24 إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون 25}

صفحة 5687 - الجزء 8

  «دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ» أي: عذاب الآخرة «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» عن كفرهم بالتوبة، عن عبد الله، وأبي العالية، وقتادة. «وَمَنْ أَظْلَمُ» أي: لا أحد أشد ظلمًا «مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا» عن النظر فيها والتدبر لها والعمل بما فيها، ووصفه بأنه ظالم؛ لأنه يفوت على نفسه الثواب واستوجب عقابًا دائمًا «إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ» بإحلال العذاب بهم «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ» قيل: ليلة الإسراء بك، عن ابن عباس. وقيل: في الجنة، وقيل: مِنْ تَلَقِّي الكتاب، عن السدي. فتلقاه بالقبول والرضا، وليس المراد باللقاء الرؤية ولكن قبوله [واتباعه]. وقيل: فلا تك في مرية من لقاء موسى الكتاب، عن الزجاج. وقيل: فلا تك [في] شك [من لقاء] الأذى كما لقي موسى، عن الحسن. كأنه قيل: فلا تك في شك من أن تلقى من الأذى مثل ما لقي «وَجَعَلْنَاهُ هُدًى» قيل: جعلنا موسى هدى، عن قتادة. وقيل: الكتاب هدى، عن الحسن. «لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً» قيل: رؤساء في الخير يقتدى بهم، عن قتادة. وقيل: هم الأنبياء، وقيل: هم العلماء «يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» أي: يدعون الناس إلى الحق بأمر الله تعالى «لَمَّا صَبَرُوا» حين صبروا، قيل: على وجه الجزاء، يعني: قيل لهم: إن صبرتم جعلناكم أئمة، فلما صبروا جُعِلُوا أئمة، عن الزجاج. «وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: يقضي ويحكم «فِيمَا كَانوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» قيل: من أمر دينهم، وقيل: من أعمالهم.

  · الأحكام: يدل قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أنه أراد من الجميع الرجوع، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  ويدل قوله: {ثُمَّ أَعْرَضَ} على وجوب النظر في الآيات.

  وتدل الآيات على أن النبي ÷ لقي موسى، ثم متى وأين وكيف؛ ليس في الظاهر.

  ويدل قوله: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى} أنه خص في التوراة قومًا، وأنه منسوخ.