قوله تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون 26 أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون 27 ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين 28 قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون 29 فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون 30}
  فيقتضي الشك في الشرع كما اقتضى الشك في القرآن، ولجاز لليهود أن تقول: قد عورض القرآن فكتموه، فيقتضي الشك في النبوات، وكيف يجوز أن يُسْقِطَ أحد شيئًا من كتاب الله لغرض له مع وفور المسلمين واشتهار القرآن وكثرة الحفاظ له؟ وكيف يعترض عليه بمثل هذه الأخبار، وهي آحاد غير صحيحة، ولأنه تعالى تولى حفظه، فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩] فكيف يجوز أن يقال مع هذا إنه غُيّر وبدّل وزيد ونقص؟
  وبعد، فلو رام في زماننا هذا أحد [أن] يغير آية لأتاه النكير من كل جهة، فكيف يجوز مثل ذلك في زمن الصحابة، والإسلام غض، والزمان زمان فضل ودين؛ ولأن تلك الآيات إما أن يحتاج إليها فكان الله يحفظها، وإلا لم يكن مزيحًا للعلة، أو لا يحتاج إليها فكان إنزاله عبثًا، ولأن نقل القرآن متواتر، وحفاظه جماعة، لا يجوز عليهم التواطؤ فكيف ينكتم شيء منه؟ ولو جاز فيه ذلك لجاز في معارضة القرآن ونبي آخر لمثل ذلك، وفي هذا هدم الإسلام، وربما يسهل الخلاف في مثله ابتداء، ثم يؤدي إلى أمر عظيم مثل هذه، ولو جاز في آيات القرآن مثل ذلك جاز في كثير من أركان الشرع.
  ومتى قيل: حفاظ القرآن كانوا خمسة، وهم الَّذِينَ ترجع إليهم الأسانيد؟
  قلنا: غلط، فالحفاظ كانت في عددهم كثرة؛ ولكن هَؤُلَاءِ انتصبوا للقراءة عليهم، ونحن نعلم أن حفاظ القرآن في بلاد الإسلام كثيرة، وإن كان في كل بلد واحد ترجع الأسانيد إليه.
  ومتى قيل: أليس روي أن عثمان جَمَعَهُ؟
  قلنا: معاذ اللَّه، فقد كان مجموعًا في زمن الرسول ÷ يُقْرَأ كما هو عليه، وإنما نقله عئمان إلى المصاحف، وجمع الناس على الظاهر منها، لما رأى اختلاف الناس في القراءات، فخاف وقع الفتنة، أليس من الظاهر أن رسول الله ÷ قرأ على أبيّ، وأبيّ قرأ على رسول الله ÷.
  وذكر الهادي في (الأحكام) أنه وجد مصحف عليٍّ عند عجوز من آل الحسن فكان على ما في أيدي الناس.