قوله تعالى: {ياأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما 1 واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا 2 وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا 3 ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل 4 ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما 5}
  قلنا: إذا أمره به مع عِظَمِ شأنه فغيره أولى، وقيل: بفضل حاجته إلى اللطف، وتثبيت القلب من حيث نصب نذيرًا وهاديًا، فلولا لطفه لجاز عليه بعض الميل.
  ويدل قوله: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى} على وجوب اتباع القرآن، وإنما يصح اتباعه علمًا وعملاً إذا فهمه، فدل أن القرآن يصح أن يُعلم بنفسه، خلاف ما تقوله الحشوية والباطنية وبعض الإمامية.
  ويدل قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ} أنه ليس لأحد قلبان، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، وقد زيف أبو مسلم ما روي من حديث جميل، والسبب الذي ذكرنا، واختلفوا هل جاز أن يكون لأحد قلبان، فمنهم من منع منه، قال: لأنه يؤدي إلى أن ينفصل إنسان من إنسانه في جواز اختلاف حاله في الإرادة والاعتقاد، فيصح أن يريد بأحد قلبيه ويكره بالآخر فيصير كشخصين، ومنهم من جوز ذلك كما يجوز أن يكون له قلب كثير الأجزاء، ونقول: لا يجوز أن يريد بأحدهما شيئًا ويكره بالآخر، كما لا يجوز مثله في جزأين من القلب، وكذلك الاعتقادات؛ لأن الإرادة والكراهة والعلم والجهل تتضاد على الحي لا على المحل، فلا وجه للقول الأول إلا أنه بالسمع عَلِمْنا ذلك.
  ومتى قيل: كيف تصح الشبهة في ذلك حتى تبقى؟
  قلنا: لأن القلب غير مشاهد للحي، فجاز دخول الشبهة فيه.
  ويدل قوله: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ} أنها لا تصير كالأم، فالبنوة لا تثبت بالتبني، وأنه لا يجوز الانتساب إلى غير الأب، وقد وردت السنة بتغليظ الأمر فيه، فقال ÷: «لعن الله من انتمى إلى غير أبيه»، وروي: «من انتمى إلى غير أبيه متعمدًا حرم عليه الجنة»، واختلفوا بِمَ يثبت النسب، فقيل: بالفراش نفسه، عن أبي حنيفة، وأصحابه. وقيل: بالفراش والتمكن من الوطء، عن الشافعي. ولو تزوج امرأة ولم يتمكن من وطئها لمسافة بينهما أو نحوه فجاءت بولد لستة أشهر ثبت النسب