التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا 6 وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا 7 ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما 8 ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا 9 إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا 10}

صفحة 5705 - الجزء 8

  هل يجازي كل أحد بفعله؟ هل عذب بغير ذنب؟ ونحو ذلك، فيقولون: نعم، عدل في حكمه، وجازى كل أحد بفعله، وقيل: في قبورهم «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ» يعني: يوم الأحزاب من قريش وغطفان واليهود، وذلك حين حصروا المسلمين أيام الخندق، وقيل: تحزب عليه قبائل العرب «فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا» تقلع خيامهم وترميهم بالحجارة لا يصيب المؤمن شيء من ذلك، فانهزموا بغير قتال «وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا» قيل: الملائكة، عن يزيد بن رومان. وقيل: لم تقاتل الملائكة يومئذ، ولكن كانوا يشجعون المؤمنين ويجبنون الكافرين «وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا» أي: عليمًا بأعمالهم «إِذْ جَاءُوكُمْ» أي: الجنود «مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ» قيل: من فوقكم عتبة بن بدر في أهل نجد، «وَمِنْ أَسْفَلَ» أبو سفيان في قريش وواجهتهم قريظة، عن مجاهد. وقيل: أراد كثرة الجنود جاؤوا من أعلى المدينة ومن أسفلها من سائر الجوانب. وقيل: جاءت الأعراب من أسفل المدينة، وقريظة من أعلاها، ونقضوا العهد، وكان الخوف منهم على الذراري أكثر «وَإذْ زَاغَتِ الأبصَارُ» مالت الأعين، قيل: عدلت عن مقرها، وقيل: شخصت، عن مجاهد. وقيل: تحيّرت فلم تر شيئًا على الصحة من الدهش، وكل ذلك تَوَسُّعٌ «وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ» أي: زالت عن أماكنها من الرعب، وقيل: كادت النفوس تخرج من الرعب، فكنى عن النفس بالقلب، قيل: قلب الخائف لشدة الاضطراب يرتفع.

  ومتى قيل: مَنْ هَؤُلَاءِ الموصوفون بذلك؟

  قلنا: قيل: ضعفة المسلمين، فأما النبي ÷ وأهل البصيرة وجُلُّ الصحابة فواثقون بنصر الله تعالى، وقيل: يجوز أن يلحق المؤمنين أجمع شغل قلب لكثرة العدو وقلة العدد.

  «وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» قيل: ظنونًا كاذبة، وقيل: هو قولهم: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، عن الحسن. وقيل: ظنونًا مختلفة: ظن الكافرين أنه يستأصل ويغلب، وظن المؤمنين أنه سينصر. وقيل: أراد المنافقين وضعفة المسلمين، فأما من له بصيرة فلا يظن بالله إلا الخير. وقيل: اختلاط ظنونهم لجبنهم وخوفهم، فمنهم من ظن أن