قوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا 11 وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا 12 وإذ قالت طائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا 13 ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا 14 ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا 15}
  له، ولم يعلموا لجهلهم أن النصر في دار التكليف قد يكون عقيب الصبر والامتحان؛ لضرب من المصلحة، فكان فتنة هَؤُلَاءِ على المؤمن أعظم من فتنة الكفار؛ لخبثهم وتخويفهم وإيقاع الأراجيف الكاذبة «وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ» قيل: طائفة منهم من المنافقين، وقيل: هم اليهود، عن ابن عباس. وقيل: هم من بني سَلَمة، عن مقاتل. و «يَثْرِبَ»: المدينة ونواحيها وأقطارها، وقيل: «يثرب». أرض والمدينة في ناحية منها «لاَ مُقَامَ لَكُمْ» أي: ليس هذا موضع إقامة، وقيل: لا إقامة لكم هاهنا «فَارْجِعُوا» إلى منازلكم بالمدينة، وأرادوا الهرب من عسكر رسول الله ÷ «وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ» أي: في الرجوع إلى منازلهم وهم بنو حارثة اعتلوا بعلل كاذبة، وقالوا: «إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ» قيل: مكشوفة ليست بحصينة، عن ابن عباس، ومجاهد. وقيل: ليست في وسط البيوت، وقيل: خالية من الرجال ليس فيها أحد، ونخشى عليها العدو والسراق. وقيل: عورة ساقطة حيطانها، فرد الله عليهم ذلك وقال: «وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ» أي: ليس كما يقولون؛ بل هي حصينة «إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا» أي: تعللوا بهذه العلل ليفروا «وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيهِمْ» أي: لو دخلت البيوت عليهم؛ يعني: هَؤُلَاءِ الجيوش الَّذِينَ يريدون قتالهم المدينة وظفروا بهم «مِنْ أَقْطَارِهَا» قيل: نواحي المدينة، وقيل: من نواحي بيوتهم «ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ» قيل: الشرك «لَآتَوْهَا» أي: لأعطوها ولأشركوا «وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا» قيل: ما ثبتوا على الإسلام إلا ساعة، ثم ارتدوا ورجعوا عنه، وقيل: ما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلاً، ولأسرعوا للإجابة طيبة بها أنفسهم، هذا قول أكثر المفسرين. وقيل: ما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا، عن الحسن، والفراء. «وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ» قيل: هم قوم من المسلمين حلفوا يوم الأحزاب لا يفرون، عن أبي علي. وقيل: ليلة العقبة، عن مقاتل. وقيل: هم المنافقون وضعفة المسلمين حلفوا لا يولون الأدبار، ويجوز أن يكونوا ضمنوا، فلما رأوا الشدة ضعفوا، وقيل: هم قوم لم يشهدوا بدرًا، عن قتادة. «لاَ يُوَلُّونَ الأدبَارَ» أي: لا ينهزمون ولا يرجعون عن مقاتلة العدو، وقيل: لا يرتدون ولا يرجعون عن الإسلام، عن أبي مسلم. وأضاف العهد إليه لوقوعه مع