التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا 11 وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا 12 وإذ قالت طائفة منهم ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا 13 ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا 14 ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا 15}

صفحة 5711 - الجزء 8

  ضرب فقلع ثلثًا آخر فقال: «أعطيت مفاتيح الروم»، ثم ضرب فقلع الباقي فقال: «أعطيت مفاتيح فارس»، فقال المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا، ولو كان كما يقول ما بلغنا هذا المبلغ من الخوف والضيق، ولما احتاج إلى الخندق.

  فأما قوله: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ} نزلت في اليهود، فقالوا لعبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين: من الذي يحملكم على قتل أنفسكم، ارجعوا إلى المدينة.

  وأما قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ} قيل: نزلت في بني حارثة عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، عن ابن عباس، ويزيد بن رومان.

  وقيل: هَمُّوا أن يقاتلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله ألا يعودوا لمثله، فذكرهم الله ما أعطوه.

  وقيل: هم قوم لم يشهدوا بدرًا وما أعطى الله أهل بدر من الكرامة، فعاهدوا الله إن شهدوا قتالاً ليقاتلن، عن قتادة.

  وقيل: هم سبعون رجلاً بايعوا رسول الله، ÷: ليلة العقبة، وقالوا: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: «لربي أن تعبدوه فلا تشركوا به شيئًا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وأموالكم»، قالوا: فما لنا إذًا؟ قال: «النصر في الدنيا والجنة في الآخرة»، قالوا: قد فعلنا، وعاهدوه على ذلك، عن مقاتل، والكلبي.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أحوال المنافقين عند الامتحان بتلك الشدائد، فقال سبحانه: «هُنَالِكَ» أي: عند تلك الشدائد والمخاوف «ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ» أي: امتحنوا بالتخلية ليظهر المؤمن المخلص من المنافق، وقيل: امتحنوا بما خوفهم الشيطان من غلبة العدو «وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا» أي: حركوا بالخوف حركة شديدة فصبروا، ووثقوا بِاللَّهِ، وقيل: حركهم الأعداء من كل جهة، وقيل: اضطربوا، فمنهم من اضطرب خوفًا على نفسه من القتل، ومنهم من اضطرب عليه دينه، عن أبي علي. «وَإذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ» قيل: معتب بن قيس وأصحابه، عن يزيد بن رومان. «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شَكٌّ وضعف اعتقاد «مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا» أي: أخبر بما لا حقيقة