التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا 16 قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 17 قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا 18 أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا 19 يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا 20}

صفحة 5717 - الجزء 8

  وغيرهم من اليهود والَّذِينَ اجتمعوا على رسول الله اجتمعوا، ولم يذهبوا ولم ينصرفوا، عن قتادة. وقد انصرفوا وانهزموا، وإنما ظنوا ذلك لشدة جبنهم وقلة إيمانهم، وقيل: لفرط حبهم قَهْرَ المسلمين ظنوهم آمنين لابثين في مكانهم، وقد انهزموا بالريح والملائكة «وَإنْ يَأْتِ الأحزَابُ» أي: يرجعوا مرة ثانية «يَوَدُّوا» يحبوا «لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ» أي: كانوا بالبادية مع الأعراب ولم يشهدوا هذا المقام، قيل: للجبن، وقيل: لكراهة الجهاد، وقيل: كراهة أن يروا غلبة المؤمنين لفرط بغضهم، وقيل: تمنوا البعد منكم بحيث لا تشاهدونهم ولا [تعرفون] شيئًا من أخبارهم لنفاقهم «يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ» أي: أخباركم، قيل: يسأل بعضهم بعضًا، عن أبي مسلم. وقيل: يسألون غيرهم يقولون: إلى ماذا صار الأمر بينهم؟ «وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ» يعني: المنافقين [لو] كانوا معكم وقت القتال عند رجوع الأحزاب «مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا» قيل: قتالاً قليلاً رياء وسمعة من غير حقيقة، عن أبي علي. ولو كان لله ما كان قليلاً، وقيل: إلا قليلاً منهم يراؤون بأنهم معكم وقصدهم الغنيمة.

  · الأحكام: يدل قوله: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ} أنه لا شيء يغني من الموت والقتل، وإذا علم الله تعالى أنه يموت أو يقتل في وقت، فيكون كذلك، وفيه حيث على الجهاد، قال القاضي: ثم يحتمل أن يكون هذا في هذا الحرب خاصة، ويحتمل أن يكون عامًّا في الجهاد، ويحتمل أن يكون في هَؤُلَاءِ المنافقين، ولا يحتمل أن يكون عامًّا.

  ويدل قوله: {أَشِحَّةً} على أن البخل مذموم، وهو الامتناع من أداء الواجبات.

  ويدل قوله: {فَأَحْبَطَ} على ثبوت التحابط بين الأعمال، وإنما أضافه إلى نفسه؛ لأنه المسبب والمعاقب.

  وتدل على أن الفرار والتعويق والشح والقتال فِعْلُ العبد؛ لذلك علق به المدح والذم.

  وتدل على قبح التعويق عن الطاعات.