قوله تعالى: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا 16 قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا 17 قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا 18 أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا 19 يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا 20}
  أخذًا عاجلاً أو تأخيرًا وإمهالاً، يعنى: تنقضون العهد وتتركون الجهاد خوفًا ولا تخافون عقوبة اللَّه، وهو القادر على النصر والعقوبة فيجب امتثال أمره، فأشار إلى أن الواجب تفويض الأمر «وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ [دُونِ] اللَّهِ وَلِيًّا» يلي أمورهم «وَلاَ نَصِيرًا» ينصرهم فينجيهم من عذاب الله «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ» المثبطين الناس عن رسول الله صلى الله عليه، المباعدين عن الجهاد معه، الآمرين بمفارقته «وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ» يعني: اليهود قالوا لإخوانهم من المنافقين، وقيل: القائلون هم المنافقون لإخوانهم من ضعفة المسلمين «هَلُمَّ إِلَينَا» أي: تعالوا ولا تحاربوا، ودعوا محمدًا لا تشهدوا معه الحرب؛ فإنا نخاف عليكم الهلاك «وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ» أي: لا يشهدون الحرب «إِلَّا قَلِيلًا» يعني: قليلاً من المنافقين يخرجون رياء وسمعة، يعني: لا يحضرون بأنفسهم، ويمنعون غيرهم «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ» بالمواساة بأنفسهم وأموالهم كما يفعله المؤمنون؛ [بل] يُحَابُون بمال غيرهم، يعني: الغنيمة، فإن المنافقين كانوا يكرهون أن ينال المؤمنون خيرًا وفضلاً، فكانوا يجهدون في صرف ذلك، وقيل: كانوا يحضرون الوقعة للغنيمة كي لا يختص بها المؤمنون «فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ» من العدو «رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ» في رؤوسهم من الخوف والجبن، فوصفهم بصفة البخل والجبن «كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» أي: كدوران عين من يغشى عليه من الموت «فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ» قيل: جادلوكم، عن الحسن. وقيل: بسطوا عليكم لسانًا كالسيف في مدح أنفسهم وذم غيرهم، يقولون: نحن فعلنا كذا، وضربنا بالسيف كذا، ولم يفعلوا شيئًا من ذلك. وقيل: خاصموكم طلبًا للقسمة، وبسطوا ألسنتهم وقت القسمة، ويقولون: أعطونا، أعطونا، فإنا قد شهدنا معكم القتال، عن قتادة. وقيل:
  أطلقوا ألسنتهم بالمعاذير الكاذبة «أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ» قيل: بخلاً بالخير، وقيل: يبخلون أن يتكلمون بكلام فيه خير، عن أبي علي. كأنهم عند الحرب أجبن القوم، وعند الغنيمة أبخل القوم «أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا» كما آمن غيرهم، وإلا لما فعلوا ذلك «فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ» اعتقدوه طاعة أحبطها لكفرهم، وقيل: كفرهم الباطن أحبط إيمانهم الظاهر، عن أبي علي. «وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا» أي: عليه هينًا لهوانهم عليه «يَحْسَبُونَ الأحزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا» أي: ظن المنافقون أن جماعات قريش وغطفان