قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا 21 ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما 22 من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما 24 ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا 25}
  «إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا» لمن تاب «رَحِيمًا» بالمؤمنين.
  ثم عاد إلى نعمه تعالى، فقال: «وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» يعني: الأحزاب، قريشًا وغطفان ومن معهم من قبائل العرب «بِغَيْظِهِمْ» أي: بحسرة لم يشف غيظهم، فرجعوا بالغيظ الذي جاؤوا به «لَمْ يَنَالُوا خَيرًا» أي: لم يصيبوا ظفرًا ولا غنيمة، وإنما سماه خيرًا على زعمهم واعتقادهم، وإلا فمال المسلمين والظفر عليهم لا يكون خيرًا للكفار؛ بل يؤدي إلى عقاب الأبد، وقيل: الخير يكون من صفة الواقع، فما لم يقع فإنما يقال: إنه خير مقدرًا «وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» بالريح والملائكة، وإلقاء الرعب في قلوبهم، واختلاف الكلمة، وهو المسبب لذلك بما ذكرنا لذلك أضاف إلى نفسه الرد «وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا» قادرًا على ما يشاء «عَزِيزًا» لا يمتنع عليه شيء، وقيل: قادر على هلاكهم يجزي بالانتقام منهم.
  · الأحكام: تدل أول الآيات على وجوب التأسي برسول الله ÷، ثم منهم من حمله على ما يتصل بالجهاد، وهو قول أبي علي وجماعة من المفسرين. فأما الفقهاء فحملوه على التأسي به في جميع أفعاله، ثم اختلفوا، فمنهم من جعله دلالة إيجاب التأسي، ومنهم من جعله دلالة الجواز دون الإيجاب، وقد اختلف العلماء في أقواله ÷، فمنهم من قال على الوجوب، وتوقف بعضهم، وعندنا ننظر في أفعاله فنفعل على الوجه الذي فعله فيكون مناسبًا؛ إذ يستحيل أن يفعله ندبًا ونفعله نحن واجبًا.
  ويدل قوله: {وَذَكَرَ اللَّهَ} أن من أعظم خصال المؤمنين كثرة ذكر اللَّه، وقال الحسن: المراد بهذا الذكر ما يتطوع به المؤمن من دون الواجبات لذلك وصفه بالكثرة، وقال أبو علي: جعله صفة للمؤمنين ليتميزوا من المنافقين الَّذِينَ لا يذكرون الله إلا قليلاً.
  ويدل قوله: {وَمَا زَادَهُمْ} على أن الإيمان يزيد وينقص.
  ويدل قوله: {صَدَقوا} على عظيم منزلة الوفاء بالعهد في النذر وأن تبديله مذموم.
  ويدل آخر الآيات على نعمته برد الكفار بغير قتال.