التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا 36 وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا 37 ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا 38 الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا 39 ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما 40}

صفحة 5741 - الجزء 8

  من نسائك واحدة تقول: جدّ [ي وجدّك]، تزوجتك واحد، وأنكحني الله في السماء، وكان السفير جبريل «زَوَّجْناكهَا» أي: أَذِنَّا لك في تزويجها «لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ» إثم وضيق «فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ» الَّذِينَ تبنونهم «إِذَت قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا» بالنكاح وطلقوهن «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً» قيل: في تزويج زينب من رسول الله ÷ كائنًا لا محالة، وقيل: إذا أراد شيئًا فعله، والأمر والإرادة سواء في المعنى، عن أبي مسلم. وقيل: كان أمر الله واجبًا فعله «مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ» أي: إثم وضيق «فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ» أي: أمره وأباح له من تزويج زينب وإن كانت امرأة مَن تبناه؛ لأنه تعالى أبطل حكم الجاهلية في الأدعياء، وقيل: فرض وأوجب، فوجب على النبي ÷ التزويج بها لزوال هذا الحكم الذي هو التبني «سُنَّةَ اللَّهِ» أي: طريقته وشريعته «فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» أي: مضوا قبل، أراد سنته في الأنبياء أنه كلفهم الإبلاغ والصبر على الشدائد، وتكفل بأمرهم بإزالة شغل قلوبهم، وبين لهم الحظر والإباحة، كذلك أمر النساء، وقيل: أراد سنة الله في المطلقات، وقيل: سنة الله في زوال الحرج عمن فعل فعلاً بأمر الله، وأشار إلى أن استباحة ما أباح الله سنة الأنبياء، وقيل: سنة الأنبياء، وقيل: سنة الله في تحليل نكاح نساء الأدعياء، وقيل: النكاح من سنة الأنبياء، وقيل: كثرة الأزواج كما فعل داود وسليمان فلا عتب عليه، وقيل: سنته في التوسعة عليه كسننه في الأنبياء قبل، وقيل: كان لداود مائة امرأة، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا» أي: أمرًا جاريًا على وجه الحكمة والعدل والصواب.

  ثم وصف الأنبياء، فقال تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ» إلى أممهم «وَيَخْشَوْنَهُ» أي: يخافون عقابه في كتمان شيء «وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ» لما قال: {وَتَخْشَى النَّاسَ}؛ لأن صفة الأنبياء أن يخشوه ولا يخشوا أحدًا. «وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا» أي: محاسبًا، وهذا وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين.