التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون 179}

صفحة 743 - الجزء 1

  أما العقلية: فيدل قوله: «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والإرادة؛ لأنه يدل أنه أراد من الجميع التقوى، وأنه كلفهم ليتقوا، عن أبي علي.

  وتدل على أن المقتول لو لم يُقتل لا يجب أن يموت خلاف قولهم؛ لأنه لو كان إذا لم يقتل يموت لا محالة لم يكن في القصاص حياة، ولكان من يريد قتل غيره يعلم أنه يموت، وكذلك من يقاد منه، عن القاضي.

  وتدل على أن فعل العبد حادث من جهته؛ إذ لو كان خلقه لما صح إيجابه، ولما صح المؤاخذة بالقصاص ولا الذّم، عن القاضي، ولأنه لا يصح من الحكيم أن ينهى عن القتل ويُوعِدَ عليه، ثم يخلق فيه القتل، ثم يوجب القصاص، فيبطل قول الْمُجْبِرَة في المخلوق.

  فأما الأحكام الشرعية: فتدل على وجوب القصاص.

  ومتى قيل: هل يدخل فيه جميع الجراح أم النفس؟

  فجوابنا: قد يتناول الجميع؛ لأن فيها ما فيه القصاص، وفيها ما لا قصاص فيه، ولكن لا يأمن أن يسري إلى النفس فيجب القصاص.

  وتدل على بيان وجه المصلحة في إيجاب القود، وتدل على أن في إيجاب القصاص زجرًا للقاتل عن القتل، وفيه بقاء الخلق.

  ومتى قيل: فمن لا قصاص فيه يجب ألا يكون مزجورًا بالآية كالوالد عند الجميع، وكالمسلم في قتل الذمي، والحر في قتل العبد على قول بعضهم؟

  فجوابنا: أما الوالد فما جبل عليه من الشفقة يمنعه من قتل ولده، ولا يحتاج إلى الزجر، كما لا يحتاج في قتل نفسه، وأما الحر والمسلم فلا يأمنان أن ترفع القضية إلى قاض يجتهد في وجوب القود عليهما، فالخوف قائم.