قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون 179}
  وتدل على أن الجماعة تقتل بالواحد؛ لأنه لو لم تقتل لم يُؤْمَنْ أن من يهم بقتل واحد يستعين بغيره ليسقط القصاص، ولا خلاف فيه، فأما الواحد إذا قتل جماعة قتل بهم ولا دية عند أبي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي: تقتل بواحد ويغرم للباقي الدية. فإن اجتمعوا قتل، وتقسم الديات بينهم.
  وتدل على إعجاز القرآن، وأنه كلام اللَّه تعالى؛ لأن العرب تقول في أمثالهم: «القتل أنفى للقتل»، وقالوا: أَكِثْرَ القتلَ لِيَقِلَّ القتلُ، فورد القرآن بما هو أحسن وأزجر وأصح في المعنى من وجوه كثيرة.
  منها: كثرة الفوائد، ووضوح المعنى مع الإيجاز في العبارة والبعد عن الكلفة، مع حسن تأليف الحروف، وفيه خمسة أوجه:
  أما كثرة الفوائد فلأن فيه كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل، وفيه زيادات كثيرة.
  أولها: بأنه العدل لذكر القصاص.
  وثانيها: بأنه الغرض المرغوب فيه بذكر الحياة.
  وثالثها: الاستدعاء بالرغبة والرهبة لحكم اللَّه به.
  ورابعها: أن في المَثَل بيان القتل فقط، وفي الآية بيان القتل وسائر الجراح.
  وخامسها: أن المثل لا ينبئ أن غير القاتل لا يقتل، والآية تنبئ عن ذلك.
  فأما وضوح المعنى فلأنه قال: «وَلَكُم» فبين من له الحياة، وليس في المثل ذلك، ولأن قولهم: «القتل أنفى للقتل»، ليس فيه بيان أي قتل أنفى للقتل، ونحن نعلم أن من القتل ما يؤدي إلى قتلٍ كثيرٍ، وفي الآية بيان ذلك، وهو وجوب القصاص، ولأن في المثل لا يمكن تقدير وجوب القتل، فلا بد من حمله على