التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا 61 سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا 62 يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا 63 إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا 64 خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا 65 يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا 66 وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا 67 ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا 68}

صفحة 5770 - الجزء 8

  الإهانة «أَيْنَمَا ثُقِفُوا» وجدوا وظفر بهم «أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً» يعني: يكثر فيهم القتل، قال قتادة: أراد المنافقون إظهار ما في قلوبهم فأوعدهم الله بهذه الآية فكتموه. «سُنَّةَ اللَّهِ» طريقته وعادته «فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ» قيل: سنته في هَؤُلَاءِ المنافقين كَسُنَّتِهِ في الكفار الَّذِينَ كانوا في الأمم، عن أبي علي، وأبي مسلم. وقيل: سنة الله في الأمر بالستر، والمنع من الفواحش وإرادتها «وَلَنْ تَجدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً» أي: ما جعله سنة لا يغيره أحد، وقيل: نُقِرُّ بِهِ ولا يجوز عليه الخُلْفُ، وإنما سماها سُنَّةً؛ لأنه دام فعله كذلك، وقيل: {لَنُغْرِيَنَّكَ} أي: تصنع بهم كما تصنع بالمظهرين للكفر، وهو سنة الله، عن الحسن.

  ومتى قيل: كيف يغري بهم؟

  قلنا: يظهر ما أضمروه، فيصيرون حربًا بقتلهم وسبيهم.

  «يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ» أي: القيامة ووقتها، وقيل: عن الساعة التي يخرج المؤمنون عن قبورهم فيها، عن أبي مسلم. وقيل: عن الساعة التي يموتون فيها ويفنى الخلق، عن أبي علي. «قُلْ» يا محمد: «إِنَّمَا عِلْمُهَا» أي: علم الساعة متى تكون «عِنْدَ اللَّهِ» أي: هو العالم به «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا» قيل: لست تدري، وقيل: مَنْ يعرفك إذا لم نعرفك، ثم خوف بقربها ليستعدوا لها «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ» أي: بَعَّدَهُمْ من رحمته وأوجب لهم عقوبته، وقيل: أبعدهم من كل خير في الدنيا والآخرة فلا يُذْكرون في الدنيا بخير ولا ينالون في الآخرة خيرًا «وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا» أي: نارًا مسعرة، أي: موقدة «خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا» لهم يقوم بأمرهم فيما ينفعهم «وَلاَ نَصِيرًا» عونًا ينجيهم من عذاب ربهم «يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» قيل: الملائكة تقلبها، وقيل: هم يقلبون وجوههم. لغاية التضرع، وقيل: الله تعالى يقلب وجوههم، وكيف تقلب؟ قيل: تقلب في النار، وقيل: من البياض إلى السواد وغاية التشويه، وقيل: تقلب وجوههم إلى ظهورهم «يَقُولُونَ» على وجه الاعتذار والندم «يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا» وقيل: يصيرون إلى حال لا يمكنهم تقليب وجوههم فتقلب «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا» يعني: قادة الكفر وأئمة الضلال «فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» فاتبعناهم في ذلك.