قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها 69 ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا 70 يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما 71 إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا 72 ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما 73}
  يقبل يكفر، فيدل أن المراد به المخالفة «إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» عادته الظلم وصفته الجهل «لِيُعَذِّبَ اللَّهُ» اختلفوا في هذه اللام، فقيل: لام (كي) أي: كلفهم ليقع العقاب موقعه والثواب موقعه، وقيل: لام العاقبة أي: عاقبة هَؤُلَاءِ أن يعذبهم، وعاقبة أولئك أن يثيبهم ويغفر لهم، وقيل: ظلومًا لنفسه ولها «الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ» في الأمانة «وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ» بتضييع الأمانة وترك التوحيد «وَيتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» بالأمانة، قال الحسن: المنافق والمشرك خانا الأمانة، ونحوه عن قتادة. وأما المؤمن والمؤمنة فأديا الأمانة، واستوجبا الرحمة «وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا» لمن تاب «رَحِيمًا» بالمؤمنين.
  · الأحكام: تدل الآية على المنع من أذى الأنبياء، ولا شبهة أن ذلك كفر.
  وتدل على المنع من جواز ما لا يحل والحث على القول السديد.
  وتدل على أن الفوز يُنال بطاعة الله، واتباع رسوله.
  وتدل على أن الملائكة لم تعص وأن العصيان عادة الإنس والجن.
  وفي هذه الآية الإشكال في مواضع:
  أولها: العرض على السماوات، وقد بينا أن المراد بالعرض على أهلها أو التمثيل، فأما العرض على الجماد فمحال.
  وثانيها: أن العرض يقتضي التخيير، وقد بينا أنه بيان الحال والتكليف، فأما التخيير فلا؛ لأنه تعالى إذا رأى أنه مصلحة يلزم العبد ولا يجبره.
  وثالثها: قوله: {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} فمنهم من حمله على القبول وهذا لا يجوز؛ لأن رَدَّ أَمْرِ الله كفر فلا يمدح عليه، وقد بَيَّنَّا أن المراد خانوا فيها إذ حملوا وزرها، وقد قال بعضهم: إنه عرض تخيير، وأنهم سألوا التخفيف خوفًا من الوعيد، وما قدمناه أولى؛ لأن المصالح لا تقف على اختيارهم.
  وتدل على أن الأذى والقول السديد والأعمال، والذنوب وحمل الأمانة، والنفاق والشرك والإيمان فعلُهم، ليس بخلق الله؛ ليصح الأمر والنهي، والوعد والوعيد.