قوله تعالى: {قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم 26 قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم 27 وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون 28 ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 29 قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون 30}
  · المعنى: ثم أمره تعالى أن يحاكمهم إلى الله لإعراضهم عن الحجة زجرًا ووعيدًا، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد «يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا» يوم القيامة «ثُمَّ يَفْتَحُ» أي: يحكم «بَيْنَنَا بِالْحَقِّ» فيقضي للمحق بالثواب وللمبطل بالعقاب «وَهُوَ الْفَتَّاحُ» القاضي؛ لأنه يفتح وجه الحكم «الْعَلِيمُ» بأعمال خلقه فيحكم بينهم ويجازيهم بحسبه، وعن بعضهم: الموت يُعُّمنا والقبر يضمنا، والقيامة مجمعنا، والرب يقضي بيننا وهو الذي لا يخفى عليه شيء «قُلْ» يا محمد محتجًّا عليهم: «أَرُونِيَ» أعلموني، ولم يرد الرؤية بالبصر؛ لأنهم كانوا يرون الأصنام، وقيل: أروني ما خلق هَؤُلَاءِ الشركاء «الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ» أي: بِاللَّهِ «شُرَكَاءَ» أي: أشركتموه معه فأروني بأي شيء استحق ذلك أم في شيء يثبت الشركة؟ وقيل: أروني ما يستدل به على كونها آلهة كما أريتكم من دلالة التوحيد والعدل، فيعجزون عن ذلك، فإذا عجزوا فقل أنت: «كَلَّا» ليس كما تزعمون «بَلْ هُوَ اللَّهُ» [الذي] لا شريك له ولا نِدَّ، يستحق العبادة وحده، وقيل: «كَلَّا» أي: لا حجة لهم فيما يزعمون فالله «الْعَزِيزُ» القادر على ما يشاء «الْحَكِيمُ» فلا يفعل إلا الحكمة، ومن كان هذا صفته لا يجوز عليه الشرك.
  ثم بَيَّنَ النبوات، فقال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ» يا محمد «إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ» قيل: جامعًا لهم بالإنذار والدعوة، وقيل: عامة للناس كلهم العرب والعجم وسائر الأمم، عن أبي علي وجماعة. وقيل: كافة، أي: لتكف الناس عما هم عليه من الكفر والمعاصي، أي: تمنعهم بالأمر والنهي والوعيد والإنذار، والكافّ: المانع، والهاء للمبالغة كقولهم: علّامة ونسَّابة [أوداهية]، عن أبي مسلم. «بَشِيرًا» لمن اتبعه بالجنة «وَنَذِيرًا» مُخَوِّفًا لمن خالفه بالنار «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» رسالتك بإعراضهم عن التفكر في معجزتك، وقيل: لا يعلمون ما لهم في اتباعك من الثواب والنعم، وما عليهم في مخالفتك من العذاب الأليم.
  ثم بيَّن استعجالهم بالعذاب تكذيبًا، فقال سبحانه: «وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ»