التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين 31 قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين 32 وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون 33 وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون 34 وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين 35 قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون 36}

صفحة 5810 - الجزء 8

  وقيل: إن النبي ÷ قاول يهودًا بالمدينة، واحتج عليهم بما وجدوه في كتابهم من صفته، فقالوا هذا القول لفرط الحسد.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى مقالهم وحالهم يوم القيامة، فقال سبحانه: «وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا» قيل: اليهود، وقيل: مشركو العرب «لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ» أي: لا نصدق أنه من الله، وأنه حق «وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» قيل: من الكتب المنزلة قبله، عن قتادة. وقيل: الذي بين يديه من الآخرة، يعني: يجحدون الآخرة والقرآن وما دل عليه من البعث والجزاء «وَلَوْ ترَى» يا محمد «إِذِ الظَّالِمُونَ» قيل: ظلموا أنفسهم بالكفر، وقيل: ظلموا الرسول بالتكذيب «مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي: محبوسون للحساب، ومعنى «عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي: في الموضع الذي يحكم بينهم، ولم يُرِدْ المكان؛ لأنه تعالى منزه عن المكان «يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ» يعني: يتلاومون ويرد كل واحد القول على صاحبه، وُيوَرِّك الذنب عَليه لفرط التحير وشدة العذاب «يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا» قيل: السوقة والأتباع «لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» الرؤساء والمتبوعين من علماء السوء والقادة «لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ» أي: لولا مكانكم ودعاؤكم إيانا لكنا مؤمنين، قيل: دعوهم إلى الكفر فقبلوا تقليدًا وكفروا بقولهم، وقيل: بل منعوهم من الإيمان بالقهر «قَال الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا» المتبوعين مجيبين «لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا» للأتباع «أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ» الألف ألف استفهام، والمراد الإنكار، أي: أنحن منعناكم «عَنِ الْهُدَى» وهو الإسلام «بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ» على لسان رسول الله ÷ «بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ» يعني: أن الذنب لكم في كفركم، ودعوتُنا لم تُزِل اختياركم، ولم نحملكم على الكفر قهرًا «وَقَال الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ» قيل: مكركم في الليل والنهار، عن الحسن، وابن زيد. وقيل: لطول السلامة في الليل والنهار مكروا اغترارًا، وقيل: مكرهم: احتيالهم طول أيامهم في الصد عن سبيل اللَّه، وقيل: مكر الأيام اغترار منهم بما يُرى على أبواب السلاطين من الجاه والمال والاغترار بآمال كثيرة وأنواع، وإنما يتركها