التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين 43 وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير 44 وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير 45 قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد 46 قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد 47}

صفحة 5818 - الجزء 8

  و (ما) في قوله: {مَا بِصَاحِبِكُمْ} نفي وجحد، فعلى هذا يكون الفعل الأول تامًا عند قوله: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، ثم ابتدأ فقال: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} أي: ليس به جنون، ويحتمل أن يكون استفهامًا ويرتبط بالعمل الأول تقديره: وتتفكروا هل بصاحبكم من جنة أم لا؟.

  · النزول: قيل: لما نزل قوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}⁣[الشورى: ٢٣] يعني: تودون قرابتي لأجلي، أو تودوني لأجل قرابتي منكم، فقالوا: هل رأيتم أعجب من هذا، إنه يشتم آلهتنا، ويرى قتلنا، ويطمع منا أن نحبه، فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} أي: لا أبتغي بذلك أجرًا، وإنما أبتغي ثواب الله ورضاه.

  · المعنى: ثم عاد إلى ذكر الكفار، فقال سبحانه: «وَإِذَا تُتْلَى» تقرأ «عَلَيْهِمْ» على هَؤُلَاءِ الكفار «آيَاتُنَا» قيل: سائر الحجج، وقيل: القرآن «قَالُوا مَا هَذَا» أي: محمد «إلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ» يمنعكم «عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ» لما أعجزتهم الحجة فزعوا إلى تقليد الآباء «وَقَالُوا مَا هَذَا» يعني: القرآن الذي تتلوه «إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى» قيل: الإفك الكذب، ومفترى تأكيد له، أي: كذب مكذوب، كقولهم: قول مقول، وقيل: الإفك الكذب، والمفترى: الذي قد افتراه غير من يدعيه «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ». أي: مُمَوَّهٌ «وَمَا آتَينَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا» قيل: ليس معهم كتاب ولا حجة في صحة ما رموك به، عن أبي مسلم. وقيل: ما أعطيناهم كتبًا تشهد بصحة دعواهم حتى يدرسوا ذلك الكتاب، ويحتجوا به، و «يَدْرُسُونَها» يقرؤنها «وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيهِمْ قَبْلَكَ» يا محمد «مِن نَّذِيرٍ» مبين يخوفهم، يعني: لم يأتهم رسول بصحة ما ادعوه من الشرك، فهم لا يرجعون في ذلك إلا إلى الجهل وتقليد الآباء، وقيل:

  معناه: إن سلفهم انقرضوا على الجهل من غير أن يمسكوا بكتاب، فلأي وجه يتبعونهم هَؤُلَاءِ؟! «وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يعني: الأمم كذبت الرسل، فليس تكذيب هَؤُلَاءِ ببدع، بل سلكوا سبيل من مضى، وفيه تسلية للنبي ÷ «وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا