التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين 43 وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير 44 وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير 45 قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد 46 قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد 47}

صفحة 5819 - الجزء 8

  آتَيْنَاهُمْ» يعني: لم يبلغ الكفرة الَّذِينَ بُعث إليهم محمد عشر ما أوتي الأمم قبلهم من القوة والعدة، عن ابن عباس، وقتادة. يعني: فَهُمْ مع ذلك اقتدوا بكفرهم وتكذيبهم الرسل «فَكَيفَ كَانَ نَكِيرِ» على أولئك، أي: انظر في آثارهم كيف كان إنكاري عليهم بالهلاك نحو عاد وثمود؟! عن أبي مسلم. وقيل: فانظر كيف يكون نكيري على هَؤُلَاءِ مع ضعفهم وقصور درجتهم حيث ينزل بكفار هذه الأمم ما نزل بالأمم الماضية «قُلْ» يا محمد: «إِنَّمَا أَعِظُكُمْ» آمركم وأوصيكم مقرونًا بالزجر والوعيد والوعد «بِوَاحِدَةٍ» أي: بخصلة واحدة، قيل: بكلمة التوحيد، ويقال للكلام وإن كثر: كلمة، كما يقال:

  كلمة الأعشى، وقيل: فسر الواحدة بما بعده فقال: «أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ» أي: بطاعته وطلب مرضاته، مسترشدين مناصحين لأنفسهم لا للهوى، وقيل: بطاعة الله، عن مجاهد. «مَثْنَى» أي: اثنين اثنين متناصرين يستعين برأي صاحبه على أمره «وَفُرَادَى» واحدًا واحدًا متفكرين حتى يوفى النظر حقه «ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا» في أحوال النبي وأقواله وأفعاله وما ظهر عليه من المعجزات «مَا بِصَاحِبِكُم مِّنْ جِنَّةٍ» قيل: فتعلموا حينئذ أنه ليس به جنون، وقيل: هل به جنون أم لا؟ «إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ» يعني: مُخَوِّفٌ للكفار «بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» أي: أمام عذاب، قيل: عذاب الآخرة [أعده] الله لكم وهو مخوف به «قُل مَا سَأَلْتُكُمْ» على أداء الرسالة وبيان الشريعة وما قدمته من النصيحة «مِنْ أَجْرٍ» أي: جُعْلٍ «فَهُوَ لَكُمْ» أي: لو سألتكم ذلك كان لكم، لا مطمع لي فيكم غير القبول «إِنْ أَجْرِيَ» ثوابي «إِلَّا عَلَى اللَّهِ» فيما حملته «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ» أي: شاهد، وفي شهيد مبالغة.

  · الأحكام: تدل الآية على ذم التقليد، وأن ذلك كان عادة الكفار وأهل البدع.

  وتدل على صحة الحجاج في الدين والتحاكم إلى ما في العقول، وأن طريق معرفة الحق التفكر في الأدلة.