قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين 180}
  فأما صفة الموصي فأن يكون عاقلاً بالغًا. واختلفوا في وصية الصبي فالأكثر على أنه لا يصح، وعن الشافعي: يصح.
  فأما الموصى له: فعلى وجهين إن كانوا عددًا يحصون جاز، وهو بينهم بالسوية الغني والفقير والذكر والأنثى سواء، وإن كان عددهم لا يحصى فهو على ثلاثة أوجه:
  إن كان فيه قُرْبَةٌ فلا يدخل فيه الغني كالوصية لأهل الحاجة والمسكنة جاز كقوله: لفقراء بني تميم، ثم التعيين إلى الوصي يعطي من شاء، فإن أعطى واحدًا منهم جاز عند أبي يوسف. وقال محمد: لا يجوز إلا أن يعطى اثنين فصاعدًا وإن كان لفظ الوصية يقع للغني والفقير، ولا يحصون فهو باطل، نحو أن يقول: لشيوخ بني تميم.
  وإن كان اللفظ يقع على الغني والفقير، ويستعمل مع ذلك في أهل الحاجة، ينظر فإن كانوا يحصون جعلت فيهم، وإن كانوا لا يحصون جعلت في أهل الحاجة، نحو أن يوصي لِزمنى بني تميم، وإن أوصى لاثنين بأكثر من الثلث ضرب كل واحد بسهمه.
  فأما صفة الوصية ومحلها ووقتها: فمحلها ثلث المال بعد الدَّين، والمواريث بعدهما؛ ولذلك قالت الفقهاء: الموصى له شريك الوارث، وإن أوصى بأكثر من الثلث وقف على إجازة الورثة، وتعتبر الإجازة بعد الموت، وتفتقر الوصية إلى قبول الموصى له، إلا ما قاله زفر أنه لا يفتقر إلى القبول، والقبول يعتبر بعد الموت، فإن مات ولم يقبل ملكه الوارث استحسانًا، ولا تجوز الوصية للوارث، وللقاتل عمدًا، أو خطًأ، قال مالك: تجوز للقاتل، فإن أجازت الورثة وصية القاتل لم يجز عند أبي يوسف، ويجوز عند أبي حنيفة ومحمد، وما أوصى به من القُرَب ابتداء، أو ما لزمه فأوصى به كالحج والزكاة والكفارات فجميع ذلك من الثلث، وَقال الشافعي: من أصل المال، ويجوز الرجوع من الوصايا بالاتفاق، وسواء أوصى في صحته أو في مرضه، فإنه يكون من الثلث.