التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين 180}

صفحة 748 - الجزء 1

  علي، وعنده يجوز النسخ بالإجماع، وقيل: بقوله: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}.

  ثم اختلفوا فيمن لا يرث من الوالدين والأقربين، فقيل: الوصية واجبة لهَؤُلَاءِ، عن ابن عباس والحسن وطاووس والضحاك وغيرهم. وقيل: لا تجب فيهم، وهي منسوخة، عن علي # وعائشة وابن عمر وعكرمة ومجاهد والسدي. قال أبو بكر الرازي: نسخت بآية المواريث؛ لأنه تعالى قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} وظاهره يقتضي إذا لم يكن وصية أن المال مصروف إلى الورثة، ولو كانت الوصية واجبة لكان إذا لم يوص لم تسقط، ولأنها لو كانت واجبة لوجبت في حال الصحة، ولأنه لا يأمن أن يأتيه الموت بغتة، وهذا لا قائل به.

  ويدل قوله: «وَالأَقْرَبِينَ» على أنها كانت واجبة للأقارب، واختلفوا، فقيل:

  الأقرب إليه وإن كانوا أغنياء، عن الحسن وعمرو بن عبيد. وقيل: الأحوج، عن ابن مسعود وواصل بن عطاء.

  واستدل بعضهم بقوله: «حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» على أن الكفار لا يخاطبون بالشرائع، وهذا لا يصح؛ لأن في الآية وجوبها على المتقين، وليس فيها أنها لا تجب على غيرهم، وقد ثبت أنه مكلف، والخطاب يتناوله، ولا خلاف أنه يحد بالزنا، ويقطع في السرقة، ويقتل قصاصًا، فلو لم يكن مكلفًا بترك هذه الأفعال ما وجب عليه ذلك كالمجنون والصبي.

  أحكام الوصايا

  لا خلاف أن الوصية مرغب فيها، وقد ورد القرآن والسنة بذلك، واختلفوا في وجوبها على ثلاثة أقوال على ما تقدم، وأكثر الفقهاء على أنها غير واجبة.

  والكلام في الوصية على أربعة أوجه: صفة الموصي، وصفة الموصى له، وصفة الوصية ومحلها ووقتها، وصفة الوصي.