التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير 1 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم 2 ياأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون 3 وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور 4 ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور 5}

صفحة 5829 - الجزء 8

  ومتى قيل: أليس وصف عيسى بأنه يَخْلُقُ؟

  قلنا: فيه وجهان:

  أحدهما: لا أحد يطلق عليه صفة خالق مطلقًا إلا هو.

  وثانيهما: لا خالق يرزق ويخلق الرزق غيره.

  «فَانى تُؤْفَكُونَ» قيل: كيف تكذبون، وتزعمون أن لله شريكًا؟!، وقيل: أنّى يعدل بكم عن هذه الأدلة التي أقمتها لكم على التوحيد مع وضوحها؟ وقيل: أنى تصرفون عن الحق؟، وقيل: من أين تكذبون؟.

  ومتى قيل: أليس الواحد منا يرزق عياله، والسلطان يرزق جنده، وورد الشرع فقال سبحانه: {الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ}⁣[البقرة: ٢٣٣]؟

  قلنا: لا يرزق من السماء والأرض غيره، ولا يقدر على الرزق غيره، ولولا خلقه لما قدر أحد عليه، وغيره يتصرف في خلقه، ثم يتصرف بأمره ولطفه.

  «وِإنْ يُكَذِّبُوكَ» يا محمد «فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» تسلية للنبي ÷ «وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» يعني: أمور الخلق فيجازيهم بما يستحقونه «يَا أَيُّهَا النَّاس إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» يعني: بالساعة والثواب والعقاب في سائر ما أخبر به ووعد وأوعد «فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» أي: لا تغتروا بالدنيا حتى تهلكوا أنفسكم بسببها، فأراد بالحياة الدنيا ملاذها وزينتها؛ لأن الاشتغال به يمنع عن طلب الآخرة «وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» قيل: الشيطان بوسواسه والأماني الباطلة، وقيل: كل ما يستدرج العبد للمعاصي فهو غرور، وقيل: الغرور: أن يعمل المعاصي ويتمنى العفو، عن سعيد بن جبير.

  · الأحكام: تدل الآيات على أن الحمد كله لله، وأن النعم منه، وتتضمن تعليم الحمد.

  وتدل على أن الملائكة رسله تعالى إلى أنبيائه.

  وتدل على أنه لا خالق على الإطلاق، ولا رازق غيره.