التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير 6 الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير 7 أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون 8 والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور 9 من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور 10}

صفحة 5834 - الجزء 8

  أولها: أن العمل رافع والكلم مرفوع، ثم اختلف هَؤُلَاءِ في معنى الآية، قيل:

  الكلم الطيب لا يكون مقبولًا إلا بالعمل الصالح.

  وثانيها: يرفع ما يقال إذا انضم إليه الأعمال الصالحة، والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ويصيره مقبولاً، وهو قول الحسن، وأبي علي. قال الحسن وقتادة: الكلم الطيب ذكر الله، والعمل الصالح أداء فرائضه، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رُدَّعليه، وليس الإيمان بالتمني، فمن قال حسنًا وعمل غَيْرَ صالح رد الله عليه قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رُفِعَ العمل، ثم تلا الحسُن الآية، وبيّن صحة هذا التأويل قوله ÷: «لا يقبل الله قولاً بلا عمل، ولا يقبل قولاً وعملاً إلا بنيّة»، وقيل: العمل الصالح يجعل الكلم رفيعًا وأقدر قيمة، وقيل: العمل الصالح: الإخلاص المرفوع، يعني: الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بعد التوحيد والإيمان.

  وثالثها: أن الرافع هو الله تعالى، يعني أنه يرفع العمل، أي: يقبله.

  ورابعها: قال أبو مسلم: الصعود والرفعة واحد، وهو القبول، فالله تعالى يقبل الكلم الطيب، ويقبل العمل الصالح.

  «وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيّئَاتِ» أي: يدبرون في عمل المعاصي، وقيل: يعملون الشرك، عن مقاتل. وقيل: الَّذِينَ مكروا برسول الله في دار الندوة. وقيل: يعملون السيئات في الدنيا، عن الكلبي. وقيل: هم أصحاب الربا، عن ابن عباس، ومجاهد، وشهر بن حوشب. وقيل: هم الَّذِينَ يضمرون الغوائل لأولياء الله تعالى. والوجه الأول؛ لأنه يشتمل على جميع ما ذكرنا. «لَهُمْ عَذَابٌ شديدٌ» في الآخرة وهو النار «وَمَكرُ أُولَئِكَ» يعني: تدابيرهم «هُوَ يَبُورُ» أي: يبطل ويفسد.

  · الأحكام: يدل أول الآيات على وجوب معاداة الشيطان ومخالفته، وإنما يكون كذلك بترك المعاصي لا بالقول، وعن بعضهم: نحن أعداء إبليس في العلانية أحباؤه في السر.