التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير 6 الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير 7 أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون 8 والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور 9 من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور 10}

صفحة 5833 - الجزء 8

  ثم عاد إلى ذكر أدلة التوحيد، فقال سبحانه: «وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ» السحاب «إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ» لا نبات فيه «فَأَحْيَينَا بِهِ» أي: بالمطر «الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» أي: أحييناها بالنبات والأزهار بعد أن كانت كالميت يابسة «كَذَلِكَ النُّشُورُ» أي: إحياء الموتى من قبورهم.

  ومتى قيل: قد قلتم: إن النبات لا يكون بالمطر، وخالفتم أبا القاسم، فما تأويل الآية؟

  قلنا: نقول: هو سبب بالعادة غير موجب، فالله تعالى خالق النبات، إلا أنه تعالى أجرى العادة أنه لا يخلق إلا بعد إرسال الماء، كالولد عند الذكر والأنثى، وكالشبع عند الأكل، والإسهال عند الدواء، والموت عند السم.

  «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا» قيل: من كان يريد العزة في الدنيا بعبادة الأصنام فليعلم أنه لا ينالها؛ لأن العزة لله، فيعز مَنْ تمسك بطاعته «إِلَيهِ» يعني: إلى حيث لا يملك الحكم فيه إلا هو، كما يقال: ارتفع أمرهم إلى القاضي «يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ» الصعود في الكلام توسع ومجاز؛ لأنه عرض ولا يصح إضافة الفعل إليه، واختلفوا في معناه، قيل: يصعد محله والعمل مكتوب فيه، يحمله من يصعد وهما الملكان. وقيل: يصعد الملَك والكلام محفوظ لهم. وقيل: الصعود عبارة عن القبول، والرفع عبارة عن تعظيم الله تعالى، عن أبي مسلم. واختلفوا في الكلم الطيب، قيل: كل كلام طيب موقعه ويحسن، ويدخل فيه أدلة التوحيد، والعدل، والنبوات، والشرائع، وقراءة الكتب، والدعوات، وتلاوة القرآن، والتسبيحات، والدعاء إلى الله، والأمر بالمعروف وغير ذلك، وهو الأوجه. وقيل: هو قوله: لا إله إلا الله. وقيل: هو قوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، روي مرفوعًا، وهذا وإن كان مرادًا فلا يمنع غيره من كونه مرادًا.

  «وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» فيه خلاف وأقوال: