التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 15 إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد 16 وما ذلك على الله بعزيز 17 ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير 18 وما يستوي الأعمى والبصير 19 ولا الظلمات ولا النور 20 ولا الظل ولا الحرور 21 وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور 22 إن أنت إلا نذير 23 إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24 وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير 25 ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير 26}

صفحة 5842 - الجزء 8

  أجاب، عن أبي مسلم. «وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ» وهم الأموات، شبههم بالأموات من حيث لا ينتفعون بما يسمعون ويبصرون «إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ» أي: لست إلا مخوفًا ومبلغًا ليس عليك غير ذلك، فليس عليك من ترك قبولهم شيء «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا» للمؤمنين «وَنَذِيرًا» للكافرين «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ» من الأمم الماضية «إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» فلست ببدع في النبوة، وقيل: وإن من أمة أهلكناها إلا مضى فيهم نذير أنذرهم ثم أهلكناهم، وقيل: نذير منهم، وقيل: نذير من غيرهم وهو رسول إليهم، كما أرسل نبينا وهو من العرب إلى العرب والعجم والروم والجن، وقيل: من أمة إلا خصهم بنبيٍّ غيرك؛ فإنك بعثت [إلى] الكافة إلى يوم القيامة «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ» أي: لا يغمك تكذيبهم إياك «فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» من الأمم أنبياءهم التي حلت فيهم «جَاءَتْهُمْ رسلهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» بالحجج «وَبِالزُّبُرِ» بالكتب «وَبِالْكِتَابِ المنِيرِ» الواضح البين، وجمع بين الزبر والكتاب، قيل: لاختلاف اللفظين واختلاف فائدتهما، فالزبور المحكم، والكتاب: المكتوب، وقيل: بل تأكيدا، وقيل: الكتاب المنير: هو التوراة، أفردها بالذكر لفضلها، عن أبي مسلم. «ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا» بالعقاب والهلاك «فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ» إنكاري عليهم وإنزال العذاب بهم، والمراد الاستفهام؛ ولكنه تقرير لشدة العقاب، وتسلية للنبي ÷؛ ليتوقع فيهم مثل ذلك إذ لم يؤمنوا.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى غني، وأن غيره من الأحياء يحتاج إليه في أمور دينه ودنياه، فلا يستغني طرفة عين عن لطفه حثًا على الانقطاع إليه، وأشار إلى أنه مع غناه يدعو العبيد إلى طاعته فكيف لا يجيبوا مع حاجتهم؟ وأشار إلى أنه مع غناه عن عبادتهم يشكرهم على ذلك، فكيف لا يشكرون نعمه مع حاجتهم؟!

  ويدل قوله: {وَلَا تَزِرُ} أن العبد لا يؤاخذ إلا بذنبه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في أطفال المشركين، وفي تعذيبهم بغير ذنب، وتعذيبهم بحمل ذنب غيرهم عليهم.